بلدة «الدالوة» في الأحساء كانت اسما مجهولا لغير السعوديين قبل عاشوراء، أو العاشر من محرم الموافق لـ3 نوفمبر 2014، وهذا اليوم ينطوي على حساسية دينية معروفة، والسبب أن المدارس الإسلامية تختلف في نظرتها إليه، وفي مرجعيتها لاعتباره يوما مهما، وبالتأكيد اختياره على وجه التحديد لتنفيذ عملية إرهابية في «الدالوة» الهادئة لم يكن عشوائيا، وكما يتضح من تفاصيل الاعتداء، فقد قصد الإرهابيون وعددهم ثلاثة ــ بحسب الرواية الرسمية المنشورة في الصحافة المحلية ــ الدخول إلى «حسينية المصطفى» وتصفية كل من بداخلها ولكن الله سلم، وساعد إغلاق البوابة الرئيسية في إنقاذ أكثر من خمسمائة شخص، وبالتالي منع وقوع كارثة حقيقية بالمعنى الإنساني، ومن ثم قام الإرهابيون بإطلاق النيران خارج المكان بدون تركيز وتسببوا في وفاة 5 أشخاص، معظمهم لم يكمل العشرين سنة، وإصابة 9 آخرين من المتواجدين في الشارع، واستخدموا في العملية سيارتين إحداهما مسروقة من نوع «فورد» وصاحبها سعودي اسمه عادل حرابة، والأخير قتل وأحرقت جثته بالأسيد وهو مصاب بالأنيميا المنجلية ويعالج من سنوات. خلال الساعات التالية، قامت الجهات الأمنية بمحاصرة مشبوهين، وهؤلاء توزعوا على ست مدن سعودية في مناطق الرياض والقصيم والشرقية والحدود الشمالية، والأرقام المبدئية تشير إلى القبض على 35 متورطا حتى الآن، أحدهم من المقيمين الأتراك في المملكة، وتمت كل هذه العملية في فترة قياسية لم تتجاوز ثمانيا وأربعين ساعة بأحسن تقدير، والتمشيط الأمني المكثف نتج عنه في المحصلة استشهاد وإصابة أربعة من الأمن السعودي وتصفية مجموعة من الإرهابيين، ولعل المفيد في درس «الدالوة» ــ مع الإقرار بجسامة الفعل وبعد مواساة عوائل الضحايا والمصابين، رحم الله من مات منهم وكتب شفاء عاجلا لمن أصيب ــ أنه قدم استفتاء محدثا وتلقائيا على مشروع الوحدة الذي بدأه الملك المؤسس ــ يرحمه الله ــ فقد شيع المتوفين من «الدالوة» ما يقرب من مئة ألف إنسان، وحضر العزاء وزير الداخلية وأمراء المناطق والمسؤولون، ووفود من الأعيان والمثقفين وعامة الناس من مناطق المملكة، وكانوا في مجموعهم يتكلمون بلسان الوطن الواحد وبلا تفرقة طائفية، وحتى الجثامين توشحت راية التوحيد، وأقيمت صلاة الميت لمن توفوا في «الدالوة» وأصحاب المذاهب متجاورون، لا تهمهم هوية الإمام ولا ما يضعه المأموم على رأسه. الدالوة مساحتها العمرانية عشرة كيلومترات، وقد سار المشيعون على أقدامهم خلف الجنائز مسافة عشرين كيلومترا، في تجمع مهيب تساوت فيه البدلة العسكرية مع الأزياء المدنية، ومجد فيه الأبطال دون الاهتمام بانتماءاتهم الطائفية، وقد لفت انتباهي خبر نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» في عددها الصادر يوم السبت 8 نوفمبر 2014، وحوى اختصارا لبيان أصدره مثقفون ونخب في المنطقة الشرقية على خلفية ما كان في «الدالوة» وعنون بـ«سعوديون بلا أقواس»، وتضمن استنكارا للاعتداء على سيادة الدولة وأمنها ونسيجها الوطني والسلم الأهلي، واعتبر التنوع الموجود في المملكة من عوامل القوة ولا يشكل ورقة مناسبة لمن يرغب في المقامرة السياسية، وأكد أن الهوية الوطنية فوق كل الانتماءات الفرعية، وأشار البيان إلى ضرورة التوقف عن استغلال الدين في الصراع بين أجنحة الإسلام السياسي بأشكاله وتمذهباته، أو في الترويج لأفكار سياسية تضر بالوحدة الوطنية، وناشد رجال الدين والدعاة والمحتسبين عدم استثمار الخلافات الدينية في طروحاتهم الإعلامية، وأن تكون في دوائرها المختصة، وبما يحقق مفهوم الشراكة في الوطن، ويحد من انتشار خطاب الكراهية بين المختلفين. الثابت في الوقت الحالي أن جماعة «داعش» تقف خلف هجوم «الدالوة»، وأنهم ارتكبوا مخالفة شرعية من الوزن الثقيل بالقتل في الأشهر الحرم دون اعتداء سابق أو خطورة، والغرض إيجاد حالة احتقان واختلاف كبير بين الطوائف داخل البلد، تمهيدا لـ«عرقنة» أو «سورنة» أو «لبلبة»، والنتائج بطبيعة الحال كانت مخيبة لآمالهم، وبيان الشرقية ــ من وجهة نظري ــ جاء متوازنا نسبيا، وأعتقد أن المشكلة في جزئها الأكبر تدور حول الجار الإيراني وتصور أن من يشتركون معه في الطائفة لا بد أنهم موافقون على طموحاته في المنطقة، والصحيح أن بعض الطائفيين المتطرفين ربما لعبوا دورا في المسألة، تماما مثلما يفعل مشايخ التطرف مع الشباب في موضوع الجهاد في سورية والعراق وبقية الأماكن وفي التحريض ضد الطوائف، وإلا فالغالبية يشبهون الشباب العاديين ممن يحضرون الجمع وصلاة العيدين، وفيهم من لا يزور المسجد أو الحسينية، أو أنه يرتبط بالمذهب أو بالطائفة من باب العادة وليس العبادة.