يضع المجتمع بشرائحه وفئاته المختلفة أصابع الاتهام تجاه المعلمين والمعلمات في كل شاردة وواردة تخص تدني المستوى الثقافي أوالتربوي للنشء، أو بروز ظواهر وسلوكيات تخالف الدين والأخلاق أو الذوق العام، ويطالبونهم بجهد مضاعف لاحتواء التطرف الفكري والانحرافات بشتى صورها، وهذا النقد المتكرر جعل الجيل الجديد من المعلمين والمعلمات أكثر مناعة في التعاطي معه ومواجهته، من خلال مبدأ "أعطيني وأعطيك"، بدءاً بهيبته ومكانته الاجتماعية التي تلاشت، مروراً بتجهيز البيئة المدرسية الجاذبة وانتهاء بالحقوق والامتيازات المتعثرة. وبحسب المختصين، فإن المعلم والمعلمة من أهم أركان العملية التربوية، وتحقيق مطالبهما وإيجاد البيئة المناسبة لهما بجميع صورها كفيل أن يؤديا رسالتهما في البناء التربوي والمعرفي للطلاب والطالبات، فالمملكة تضم نخبة من "مُربي الأجيال" الذين برزت جهودهم من خلال الدفع بمستوى الأبناء نحو المنافسة العالمية. ويطالب المعلمون والمعلمات بتهيئة البيئة المدرسية الجاذبة والاستغناء الكلي عن المباني المستأجرة، وكذلك توفير المعامل والمختبرات، وتأمين كافة الأدوات والوسائل المواكبة للتقدم التقني والحضاري المهول، إضافةً إلى منحهم الفروقات المالية لأعوام الخدمة، لاسيما من عُيّن على مستويات أقل أو على البند، إلى جانب التأمين الطبي وبدل السكن، والسماح لهم بإكمال دراساتهم العليا عبر الابتعاث الداخلي أو الخارجي، وكذلك إعداد برامج تدريبية نافعة ومفيدة على يد مختصين، وتخفيض النصاب إلى (16) حصة كحد أعلى، ومنح المميزين في أداء عملهم، ومعلمي الصفوف الأولية امتيازات عن بقية زملائهم، إضافةً إلى إنشاء أندية رياضية وثقافية واجتماعية. وطالب المعلمون بمراعاة أصحاب الظروف والاحتياجات الخاصة، واحتساب أعوام الخدمة للعاملين في المدارس الخاصة والأهلية، وكذلك مراعاة المناطق الأقرب للمعينين أثناء التوزيع وإصدار الحركة، إضافةً إلى سرعة التعامل مع ملفات مؤرقة كالمباني المستأجرة والمشروعات المتعثرة، ووضع حد لسلوكيات الطلاب السلبية، وسن أنظمة صارمة تعيد للمعلم والمعلمة مكانتهما، إلى جانب منح المديرين صلاحيات أوسع في المدارس، وزيادة دعم الأنشطة المدرسية مادياً ومعنوياً، والاهتمام بما يُقدم للطلاب والطالبات من وجبات غذائية خلال اليوم الدراسي. جهات رقابية وانتقدت "عواطف الحربي" -معلمة- تعثر المشروعات المدرسية، وتباطؤ العمل في كثير من المباني، متسائلةً عن دور الجهات الرقابية، مطالبة بأنظمة أكثر قوة في مواجهة بعض المقاولين، وعدم ترسية المشروعات إلاّ على الشركات والمؤسسات التي تمتلك مصداقية عالية في إنجاز العمل وفق البرنامج الزمني المعد له، مشددةً على أهمية الإعداد الجيد للبيئات المدرسية، وجعلها بيئات جاذبة للطلاب والطالبات، متأسفةً على أن كثيراً من المباني المدرسية مازالت مستأجرة لم تُعد أصلاً للعمل التربوي والتعليمي، وهي بيئات مُنفرة وقاتلة للإبداع والموهبة، إضافةً إلى المباني التي تعمل بنظام الفترتين، حيث يتم تقليص زمن الحصص على حساب الكم لا النوع، داعيةً إلى دراسة الواقع جيداً، ووضع الحلول المناسبة، فأبناؤنا أمانة، والتعليم يستأثر بنسبة كبرى في مخصصات الميزانية. دعم وتشجيع وقالت "سميرة الجهني" -معلمة-: كنت متحمسة بعد تعييني في مدرسة متوسطة، واهتم بشراء الوسائل المساعدة، وأعمل على تزيين البيئة المدرسية، وكذلك تقديم الهدايا الثمينة لطالباتي، حيث كلفني ذلك أكثر من نصف راتبي الشهري، على الرغم من حاجتي للمال لظروف أسرتي، مضيفةً أنها كانت تجد متعة وهي تلمس أثر ذلك على الطالبات، وكانت تتوقع أن تجد ولو شيئاً يسيراً من الدعم المعنوي لها، سواءٍ من إدارة مدرستها، أو من الإدارة التعليمية التي تتبع لها، لكن الذي حدث عكس ما توقعت، فلم تجد سوى إحباط بعض الزميلات، وتقاعس المسؤولات عن دعمها، مما جعل حماسها يتراجع كثيراً. وطالبت "ماجدة حمدان" -معلمة- بخفض سنوات الخدمة، لاسيما للمعلمات، ومنح الأجيال الشابة مجالاً للعمل، فهم أكثر نشاطاً للدفع بالعملية التربوية والتعليمية، لاسيما أن العمل في المجال التربوي يستهلك طاقة الفرد بدنياً وفكرياً، مؤكدةً على سرعة حركة دولاب الزمن والتقدم المهول، مما يؤكد الحاجة لمعلمين ومعلمات من جيل الشباب ماهرين في استخدام التقنية الحديثة. تخفيض نصاب وطالب "ماجد النزاوي" -معلم- بتخفيض نصاب المعلمين والمعلمات إلى (16) حصة، ومنح المميزين في أداء عملهم وكذلك معلمي الصفوف الأولية امتيازات عن بقية زملائهم. وأوضح المعلمان "سامي الجهني" و"فيصل سلامة" أن قضية المطالبة بالفروقات المالية بدأت قبل ستة أعوام من قبل المعلمين المتضررين، الذين تم تعيينهم على مستويات أقل مما يستحقونه نظاماً. وأضافا: تم رفع دعاوى قضائية في ديوان المظالم أعقبه صدور أمر سام بتشكيل لجنة وزارية تمكنت من حل جانب المستويات المستحقة، إلاّ أنه لم يتم صرف الفروقات أو احتساب الخبرة لمن عينوا على بند(105)، وهذا ما عده المعلمان مخيباً للآمال. وطالبا بإعادة دراسة القضية كونها تسببت بإحباط نفسي وعدم رضا وظيفي للمتضررين من المعلمين. تأمين طبي وشدّد "عبدالله الجابري" -معلم- على أهمية إعادة النظر في موضوع التأمين الطبي، نظراً للارتفاع الكبير والمستمر في تكلفة الرعاية الطبية، مضيفاً أن بدل السكن من المواضيع المهمة التي ينتظرها المعلمون، خاصةً بعد أن سجلت العقارات ارتفاعاً كبيراً ومؤثراً على الدخل المعيشي. وأكد "محمد السهلي" و"عبدالعزيز الحربي" على ضرورة خطو وزارة التربية والتعليم خطوات أكثر إيجابية بالسماح للمعلمين والمعلمات بإكمال دراساتهم العليا، وكذلك ابتعاثهم داخلياً أو خارجياً، أسوةً بغيرهم من الموظفين، داعين إدارات التربية بالمناطق إعداد حقائب وبرامج تدريبية يشرف عليها مدربون مختصون تكون عوناً لهم على أداء رسالتهم. عجلة التنمية وتحدث "سلطان السهلي" -باحث- قائلاً: إن المعلم مربي الأجيال يستحق أن تدرس مطالبه وتُلبى، فأثر ذلك سيكون واضحاً وجلياً على دفع عجلة التنمية في بلادنا، حتى تصبح منافسة للدول المتقدمة، مضيفاً أن كل دول العالم المتقدم ما كان لها أن تصل لما وصلت إليه إلاّ بتعزيز مكانة وقيمة المعلم والعلم، داعياً إلى تفعيل حقيقي للمجالس الاستشارية للمعلمين والمعلمات، والسماح بتأسيس جمعية للمعلمين تدرس مشاكلهم وتطالب بحقوقهم، وتكون متحدثة باسمهم، وتعين من يحتاج العون والمساعدة. وأوضح "عبدالغني القش" -أكاديمي وباحث- أن المعلم يُعد حجر الزاوية في العملية التعليمية، فهو المسؤول عن عملية التعلم من خلال ما يتبعه من طرائق ووسائل وأساليب وأدوات، كي يحقق الأهداف التربوية والتعليمية، متسائلاً: من هو المعلم الذي نريده لطلابنا؟، مبيناً أن الإجابة قد تطول على مثل هذا السؤال، لكن بشكل مختصر نُريد مُعلماً يعشق العمل التربوي ويؤمن به، فهو صاحب رسالة لا وظيفة تربطه بوزارته فحسب، فعندها لا يكون همه سوى قبض الراتب في نهاية كل شهر. قدوة حسنة وأشار "القش" إلى أننا نريد مُعلماً يغرس في عقول ونفوس طلابه القيم الإيمانية والجمالية تجاه دينهم ووطنهم وولاة أمرهم، وكذلك مُعلماً يكون قدوة حسنة لطلابه في كل تصرفاته وأقواله وأفعاله، تجعلهم ينظرون إليه بكل افتخار، ويحملون له كل معاني التقدير والاحترام، إضافةً إلى أننا نُريد مُعلماً يعطي طلابه فرص الحوار، ويتيح لهم التعبير ويدربهم على المناقشة والمحاورة ويعلمهم كيف يختلفوا ويظهروا الوجه المضيء والمشرق لدينهم الإسلامي الذي يأمر بالوسطية وينهى عن الغلو والتطرف ويدعو إلى المحبة والسلام والتسامح، إلى جانب أننا نُريد مُعلماً يحرص على تنمية الاتجاهات السليمة عند طلابه ويصحح لهم الأفكار الخاطئة وينبههم إلى خطورة اعتناق الأفكار المنحرفة عن جادة الحق والصواب، ويعيد توجيه ميولهم إلى الطريق المستقيم الذي يضمن لهم حياة كريمة وعيشاً سعيداً، مبيناً أننا نُريد معلماً يدرك أهمية المعرفة ودور الثقافة في بناء شخصيته، وتحقيق تكاملها، فلا يبخل على نفسه بكل جديد مفيد في مجال عمله، أو كل ما يعينه على تطوير قدراته وتحسين مهاراته وإبراز أدائه، ذاكراً أننا نُريد معلماً لديه الاستعداد الجيد لتنويع أساليبه وطرائقه أثناء التدريس بعيداً عن الجمود والتقليدية التي لا تساعد طلابه على التحصيل الدراسي الجيد ولا تعينه على تحقيق التعلم المطلوب، موضحاً أننا نُريد معلماً يؤمن بأهمية دوره في مجتمعه الكبير، وأن ذلك الدور يتعدى أسوار المدرسة إلى الإسهام في تنمية مجتمعه من كل النواحي الاجتماعية والأمنية والنفسية. احترام تقدير وقال "القش": نُريد معلماً يدرك أن نجاح مدرسته مرتكز بداية على التفاهم بين منسوبيها وحسن علاقتهم وتقديرهم لبعضهم، وقناعتهم بالمشاركة الفاعلة، وأن الشعور بروح الفريق في العمل هو الروح المشجعة على تحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات والإيمان بأن الفرد قليل بنفسه كثير بإخوانه، وأن احترام الأنظمة المدرسية والسير وفق الرؤى التربوية واحترام الرؤساء في العمل من سمات المربيين الناجحين وواجب ملزم. وأضاف: بقي سؤال مهم أيضاً: ماذا يريد المعلم؟، مبيناً أن المعلم يُريد تكريماً حقيقياً وذلك ببيان دوره العظيم، والعمل على تعزيز مكانته في عالم اليوم الذي أهمله، ولم يلتفت إليه التفاتاً صحيحاً، مؤكداً على أن المعلم يستحق أن ينظر إليه بعين الاحترام والتقدير، وهو بحاجة إلى أن يتبوأ منزلة مرموقة في المجتمع، كما يفترض النظر إلى وضعه المعيشي، فبدل السكن يحتاجه، والتأمين الطبي ضروري لعلاجه، لافتاً إلى أن المُعلم مربٍ، والمفترض أن يكون له حظوة في المحافل، فيُقدَّم ولا يُقدَّم عليه أحد.