في العرف المهني، تعيش المشروعات الإعلامية على الإعلان التجاري، سواءً كان هذا الإعلان مباشراً أو غير مباشر. ولا يستطيع القائمون على الإعلام التهاون في تنفيذ مَطلَب المعلن، طالما أنه يدفع. وكم من صفحات ألغيت وكتّاب أوقفوا أو حُجموا بسبب رغبات أو أمزجة المعلنين، فهم في النهاية أسياد الموقف، وهم من يدفعون رواتب العاملين في الصحيفة أو القناة. لقد كان سائداً في الأزمنة السحيقة، حيث كانت المطبوعات والقنوات تعيش على الدعم الحكومي، مصطلح «معاليه عايز كده». وكانت المواد تُصنع بناءً على أهوائه وميوله، إلى أن نشأت الإعلانات التجارية، وإلى تحولت إلى قوة سيادية تقلب اليسار إلى يمين، وتفرض العادات والأنماط والسلوك، وتحدد اتجاهات الاستهلاك. حينها، لم يعد للمؤسسات الحكومية سوى الانصياع: - المعلن عايز كده! وتعملق الإعلام بالإعلان، ومعاً سيطرا على الساحة، كل منهما ينافس الآخر بالثراء، دون أن يجرؤ أي منهما على المساس بالتحالف الإستراتيجي المتجذر والمتضخم بالمصالح المشتركة، ولو على حساب وعي الأفراد وصحتهم وقيمهم وتاريخهم وربما عقائدهم. الأسبوع الماضي، وضعت جريدة الجزيرة نفسها في محك مهني غير مسبوق، فلقد تبنَّتْ نشر تطورات قضية ما جرى في شركة موبايلي، بكل شفافية وجرأة، وهو أمرٌ يخالف ما اعتاده الواقع الصحفي، لكون الشركة معلناً رئيساً من معلنيها. وكما توقع المتابعون، فلقد قررتْ موبايلي أمس إيقاف إعلاناتها في الجزيرة. أنا هنا لست معنياً بالحكم على ما جرى في موبايلي، أنا فقط أتساءل ككاتب وكمواطن: - هل ما جرى هو ولادة لانتصار الإعلام على الإعلان؟! انتصارُ الحقيقة على المصالح المادية؟!