هل يمكن أن تتخيل أن هناك من يمكن أن يعترض فعلا على (المحبة) أو (الحب) أو ما يدل عليهما من أقوال وأفعال وتصرفات؟! الحقيقة أنني اكتشفت أن هناك من تعبأوا بالكره إلى الثمالة، إلى درجة أن ألفاظ الحب قد تصيبهم بأثر نفسي وعقلي وسلوكي. كأنهم خلقوا ليوزعوا علب الكره بين الناس وبالمجان؛ لكي يقطعوا الطريق على أية إمكانية لبياض القلوب وصفاء النوايا. ولذلك هم، مهما بالغت في دعوتهم إلى كلمة سواء، ومهما أوردت من الأدلة على أسبقية المحبة دينا ودنيا، لا يستجيبون؛ لأن حدودهم ــ من جانب ــ أغلقت على من عداهم من الناس، ولأن خوفهم من خسارة مواقع الكره المتقدمة ــ من جانب آخر ــ تمنعهم من أن يبادروا إلى مراجعة مواقفهم من معارك التنافر والبغضاء. وهذا ــ إذا شئتم ــ هو ما يطغى الآن في مشارق الأرض العربية ومغاربها، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الإلغاء والتنابز، على اعتبار أن ما لدى كل طرف (كاره) هو الحق البين الذي لا مراء فيه، وما لدى غيره من (الآخرين) هو يقينا باطل واضح. ولذلك، بعد أن فات ــ فيما يبدو ــ أوان بناء أسباب المحبة في عالمنا وفقدنا كثيرا من مقوماتها وقيمها صار لزاما الآن أن نسدد فاتورة ضخمة وأن نسد ــ في الوقت ذاته ــ شقوق الكره العارم الذي يمارس على المستوى الفردي والمجتمعي في كل ركن عربي من المحيط إلى الخليج. ولا بد، ونحن نطارد هذه الشقوق وقوارضها وغيلانها، أن نعيد قراءة كل شيء في حياتنا من منهج الصف الأول في مدرسة التمهيدي إلى كل مناهج مسؤولياتنا وحياتنا العامة والخاصة. هذا إذا أردنا أن ننقذ ما يمكن إنقاذه من وجودنا ومقدراتنا ومستقبل أجيالنا. وعلى الإعلام العربي الجماهيري، الذي أحمله جزءا من ذنوب صناعة الكره، أن يشارك في هذا الجهد الإنقاذي، ويعمل على إعادة صياغة خطابه باتجاه المصلحة الوطنية العليا لكل دولة وتشابك مصالحها سياسيا وجغرافيا مع الدول الأخرى. أي أن يخاطب (الفرد) بالذات على أساس وطني محض، لا تفرقة فيه ولا تزيد ولا فوقيات من أي نوع أو لأي سبب من الأسباب. لا بد أن يعلم الناس، من خلال بيوت التعليم ومؤسسات الإعلام، أن لا أحد سيعيش بمفرده على الأرض الوطنية المشتركة. ولا أحد سينفي الآخر بمجرد أنه اختلف معه في الرأي. وكل، شاء أم أبى، مسؤول عن نفسه وعن محيطه الذي يتشاركه مع الآخرين عبر دروب المحبة والتسامح والتعايش. وما عدا ذلك هو إيغال وإصرار على الكره الذي لا نتيجة له سوى الصراعات الخاسرة حتما وسلفا.