×
محافظة المنطقة الشرقية

سلام الله على الأحساء !

صورة الخبر

يُعد مدير المدرسة هو القائد لأهم مؤسسة في المجتمع، فهو المخطط، والمشرف، والمدير لدفة العلاقات الإنسانية داخل المدرسة، ويبدأ من عنده تأسيس الشراكات المجتمعية الناجحة مع مؤسسات المجتمع الخارجي، وهو المكلف بإدارة العملية التربوية والتعليمية، والمطلوب منه الوصول بها إلى أعلى مراتبها، وأسمى غايتها، التي تتمثل في إعداد جيل مثقف وواعٍ، معتز بدينه، محب لوطنه ومتصف بالأخلاق الإسلامية الفاضلة، ومحصن ضد الأفكار والمبادئ الهدامة. كما يصف البعض إدارة المدرسة بأنّها أصعب مهمة في السلم التعليمي، كون المدير يتعامل مع أكثر من طرف بأمزجة ونفسيات ومعتقدات مختلفة، فهناك الطالب بسلوكياته وأخلاقياته، والمعلمون، والإداريون على اختلافهم وتنوعهم، وكل هؤلاء تباينوا ما بين متقبل ومتذمر، أضف لذلك أولياء الأمور بشكاواهم، وأفكارهم، وطلباتهم التي قد تكون أقرب للخيال من الواقع، ناهيك عن حراس المدرسة بمشاكلهم، واعتراضاتهم، إلى جانب سوء بعض المباني، وضعف التجهيزات، ومحدودية الميزانية. ومع تجشم المدير كل هذه الأعباء وتبعاتها لا توجد حوافز تميزه عن المعلم أو أي موظف آخر في التربية والتعليم، إذ لا يغيب عن أحد أهمية الحوافز فهي تساعد على اكتساب المزيد من الثقة بالنفس وتنمية الطاقات الابداعية، بما يضمن ازدهار المدرسة وتفوقها، ومعرفة نقاط القوة الكامنة في الطلاب والمعلمين، واستخدامها وتوظيفها في العملية التعليمية، والتنوع في تحقيق الأهداف الصعبة، وبالتالي الوصول إلى مستويات عالية ومميزة من الأداء، كما أنّ الحوافز توقظ الحماس والدافعية؛ ما ينعكس إيجابياً على الأداء العام، وجودة العمل، كما أنّها تحقق الصحة النفسية المطلوبة للإبداع، وتعمل على منع شعور الفرد بالإحباط، ورفع روحه المعنوية، ودفعه للمثابرة والعمل بجودة عالية. تجاهل وإهمال وذكر "عبدالله سلمان المالكي" -وكيل مدرسة- أنّ الإدارة المدرسية واقع مرير، ومتاعب متصاعدة، وحوافز غائبة، ولطالما سمعوا الكثير من الوعود والامتيازات والحوافز المادية التي ستمنح للإدارة المدرسية، ولكنها ما تلبث أن تتحول لمجرد شائعة مع بداية كل عام دراسي، جراء تجاهل وإهمال القيادات العليا لهذا المطلب الأساسي، مؤكّداً أنّ استحداث حوافز لمديري المدارس من الأمور المهمة التي يجب التركيز عليها ومتابعتها، موضحاً أنّ حرمان مدير المدرسة وكذلك الوكيل من الحوافز المادية هو من أقوى الأسباب للعزوف عن العمل الإداري، وما يحمله من أعباء ومسؤوليات، كما أن غيابها يؤثر سلباً في جودة الأداء وضمان تحقيق الأهداف، حيث إنّ تفعيلها ينعكس إيجاباً ليفجر الدافعية الداخلية، مسهماً في زيادة الإنتاج، والعطاء، مطالباً بالاهتمام ووضع حد لمشكلة غياب الحوافز المادية لمديري ومديرات المدارس. خارج دوام وبيّن "عادل العبدالكريم" -معلم ومدير مدرسة سابق- أنّه قضى قرابة (16) عاماً كمدير مدرسة متميز بمدينة الرياض، وعلى الرغم من اختياره أربع مرات كمدير مثالي، إلاّ أنّه لم يمنح أي حوافز مادية تشعره بقيمة ذاته ومجهوداته، وتكسبه الثقة في عمله وإنتاجه؛ ما جعله يفضل ترك الإدارة والعودة للميدان كمعلم، مضيفاً: "للأسف الشديد حتى بعد عودتي للتعليم لم تشفع لي خبرتي ومثاليتي في الإدارة المدرسية طيلة تلك السنوات، فقد عانيت حتى تم توجيهي كمعلم للمدرسة التي رغبت بالعمل فيها"، مشدداً على أنّ غياب الحوافز المادية هو السبب الأول والأقوى لعزوف الكثيرين عن تولي مهام الإدارة المدرسية، وانعدام الرغبة في تولي مهام الإدارة لدى كثير من الوكلاء، والمعلمين، موضحاً أنّه مع صدور الدليل الإجرائي والتنظيمي زادت مهام الوكلاء وتشعبت بلا مقابل، مقترحاً منح مديري ومديرات المدارس بعض الصلاحيات كحافز لهم، أسوة بمديري مدارس التربية الفكرية ومعلمي الصفوف الأولية، مع نسبة سنوية على الراتب، وإعطاءهم خارج دوام؛ لأنّ البعض منهم يضطر للذهاب للمدرسة في أيام الإجازات لإكمال أعماله. سائق ومراسل ولفتت "رقية أحمد عبده حمدي" -مديرة مدرسة- إلى أنّهم يتحملون أعباء ولا شيء يميزهم سوى عِظَم المسؤولية الملقاة عليهم، والإرهاق والضغط النفسي، فالكل ينظر لمديرة المدرسة على أنها المسؤولة عن كل صغيرة وكبيرة، فهي من تدفع، ومن تعمل، وتتابع، وهي المذنبة، والمحاسبة، والمسؤولة في حال حدوث أي تقصير، كما أنّ هناك التزامات مدرسية لا تفي بها الميزانية تضطر معها للصرف من حسابها الخاص، مبيّنةً أنّ الكثير من المديرات اضطررن لأخذ قروض لسداد بعض التزاماتهن المدرسية، ومع أنّ صدور الدليل الإجرائي والتنظيمي قد وزع المهام، وخفف بعض الأعباء شكلياً، إلاّ أنّه يحتاج لزمن حتى تنتشر ثقافته. وقالت إنّ من المهم إيجاد محفزات تدفع المعلمات للإقبال على الإدارة، وتوقظ حماس ودافعية من هي على رأس العمل كمديرة للبقاء وتحمل الأعباء والمسؤولية، كأن يكون هناك نسبة سنوية تضاف لراتب مديرة المدرسة، أو حصولها على درجة وظيفية كل خمس سنوات، أو تذكرة سفر سنوية، موضحةً أنّ مديرة المدرسة تواجه الكثير من المشاكل مع الحراس، من الجيد تحفيزها عن طريق إعطائها بعض الصلاحيات في التعامل معهم، وتوجيههم بما يحقق مصلحة العمل، فتحمل مزاجيتهم، ومشاكلهم، وانتدابهم، ونقلهم بدون سابق إنذار ولا تأمين بديل، كل ذلك يعتبر صدمة وقصمة ظهر بالنسبة لها. وأضافت أنّهم يحتاجون لبدل أضرار نفسية وإساءات، فهم في فوهة المدفع، ويتلقون كل الإساءات من جميع أطراف العملية التعليمية:، مطالبةً أن يكون للمدرسة مراسل، وسائق، ومسؤول عن الصيانة والنظافة، حيث إنّه لا يسمح لهم بالخروج والقيادة كالرجال، وهناك العديد من المهام تقتضي الخروج للبنوك، والمكتبات، وسائر المحال الخدمية التي ترتبط بالمدرسة، كصرف شيكات المكافآت، وإيصال المعاملات؛ ما يظهر الحاجة لسائق ومراسل، فأزواجهم وإخوتهم يرفضون أداء أي عمل خارج مهامهم الأسرية. عزوف الكفاءات ورأى "محمد اليحيى" -مدير مدرسة- أنّ غياب الحوافز المادية والمعنوية أثر في عزوف الكفاءات عن الإدارة المدرسية، وإصابتهم بالإحباط والتراجع، معتبراً أنّ "ليل الحوافز قد طال، ولم تشرق شمسها بعد"، مبيّناً أنّه مرت أكثر من عشر سنوات وحوافز القيادات التربوية تحت الدراسة ولم ترى النور لحينه!، لافتاً إلى أنّ جميع الإداريين يتشرفون بحمل الأمانة ويعتزون بأدائها على الوجه الأكمل، ولكن من غير اللائق أن لا يجدونا بعضاً من التحفيز والتقدير، خصوصاً وأنّ التكليفات متوالية عليهم، في حين أنّه لا مستقبل إلاّ للهم والمسؤولية، متسائلاً: أين دور وزارتنا مع القيادات التربوية التي ضحت ثم يدار لهم ظهر التشجيع ويسلب منهم التقدير وتقتل فيهم الهمة والطموح؟ وقال إنّه من المهم أن تكون هناك حوافز مادية تحديداً، حيث إنّ لها أثرا كبيرا، فهي ترفع من مستوى الأداء للمديرين والمديرات، وتحافظ عليهم من التسرب لوظائف أخرى أسهل وأقل مسؤولية، كما أنّ الحوافز المعنوية مهمة، فهي تمنح القائد التقدير والاحترام، فيشعر معها أنّه مُشارك في سن النظام، وصنع القرار، وليس مجرد منفذ للوائح وتعليمات! حكمة وصبر وأوضحت "مريم قصادي" -معلمة- أنّ الموظفة تعاني الكثير من الظروف الاجتماعية والضغوط النفسية، وربما الأمراض العضوية، وكونها أنثى قد يزيد ضعفها، وتخور قواها وتنهار، إذا ما أضيف لها مهام متعددة، ومسؤولية كبيرة كإدارة مدرسة، وعليه لابد من دعم وتشجيع يشحذ همتها، ويدفعها لمواصلة مشوار تحمل مسؤولية الإدارة العظيمة، بكل ما تحويه من أعمال، وتعامل مع شخصيات متعددة، وأمزجة متنوعة، تقتضي الحاجة للتعامل معها حكمةً وصبراً وروية. ونوّهت "لطيفة علي قاسم الفيفي" -مساعدة للشؤون التعليمية- بأنّ عزوف الكفاءات المؤهلة عن الإدارة المدرسية أدى إلى إسناد إدارة المدارس لغير المؤهلات للقيادة، معتبرةً أنّ غياب الحوافز المادية والمعنوية أحد أسباب ذلك العزوف، موضحةً أنّه بالرغم من كون الوزارة قد منحت المديرات العديد من الصلاحيات التي تدعم القيادة الذاتية، إلاّ أنّ ضعف تأهيل بعض القيادات جعلهن لا يستفدن من تلك الصلاحيات الممنوحة لهن في تطوير العمل، مؤكّدةً أنّ العزوف عن الإدارة المدرسية أثر سلباً على الخطوات الحثيثة التي تخطوها الوزارة بهدف تطوير وتأهيل القيادات، بداية بوضع ضوابط وآلية الترشيح، ثم اختبارات قياس، داعيةً إلى ضرورة إيجاد الحوافز التي قد تكون أحد أهم أدوات الإصلاح الضرورية. وأكّدت "حسنة الحربي" -وكيلة مدرسة- على ضرورة وجود حوافز مادية لمديرة المدرسة، تكون مبلغا سنويا، مع منحها صلاحيات مفتوحة للتعامل مع المواقف والأنظمة، دون الرجوع للمسؤول، وذلك لإكسابها الثقة التي تخلق منها قائدة ناجحة تسعى لتطوير نفسها، وتستمر في عملها وتحقق الجودة في أرقى صورها، وتكون تلك الحوافز دافعا لوكيلات المدارس والمعلمات للترشح لإدارة المدارس. قيم تربوية ولفت "علي أحمد دغري" -مشرف تربوي- إلى أنّ النفس البشرية جبلت على حب التحفيز بكافة أشكاله، وقبل أن يقرر ذلك علماء التربية القديمة والحديثة فإنّ الإسلام أقر بذلك، وحث عليه في أسمى القيم التربوية التي جاء بها، موضحاً أنّ مدير المدرسة يقع على كاهله عبء كبير في قيادة المدرسة، ولا شكّ في أنّ التحفيز المادي له أثره في جودة الأداء القيادي داخل المدرسة، وحتى خارجها، منوهاً بأنّ الملاحظ في الميدان التربوي الإحجام عن تولي مهام الإدارة المدرسية؛ لكثرة الأعباء، والمهام، والمسؤوليات، دون وجود محفز للإداري. وأضاف: "لو تأملنا واقع الإدارة المدرسية في الدول الناجحة تعليمياً لوجدنا أنّ الحافز المادي للمعلم عموماً والمدير خاصةً حاضراً، ففي دولة كاليابان نجد القيادات العليا في الدولة تراعي ذلك، وقد سئل الإمبراطور الياباني حول هذه المسألة، فرد: إن دولتنا تقدّمت، في هذا الوقت القصير، لأننا بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلّمنا من أخطائهم، وأعطينا المعلّم حصانة الدبلوماسي، وراتب الوزير"، مشيداً بالبداية القوية والرائدة لوزير التربية والتعليم، حيث بدأ مشواره الوزاري بمجموعة قرارات فيها رفعة للقيادات التربوية، مبيّناً أنّه لا تزال الآمال قائمة لالتفاتة جادة بإقرار حوافز مادية تزيد من همة المديرين، وتؤنس أنفسهم المثقلة بالمهام والمسؤوليات. وأوضحت "نورة عبدالكريم" -معلمة ومديرة سابقة- أن الأمانة والحمل الملقى على عاتق مديرة المدرسة ثقيل، فهي مسؤولة عن منظومة تربوية وتعليمية، تُعد وتُخرج أجيالا تحمل هم هذه الأمة؛ لذا وجب على المسؤول أن يساند هذه القائدة، ويوليها شيئاً من الاهتمام، من خلال إصدار مجموعة من الحوافز المادية التي تدعمها وتشجعها على البقاء والتميز والمزيد من العطاء، مشددةً على أهمية التقدير للمديرة والثقة بها، بحيث تصبح رقيبة على عملها وإنجازها، بعيداً عن سن القرارات وتلقينها إياها، فمديرة المدرسة تحتاج مساحة من الحرية في اتخاذ قرارات تناسب مدرستها، وتحقق المصلحة العامة. تميز واستقرار وقالت "ندى محمد أحمد الحكمي" -مديرة إدارة الوحدة الصحية للبنات بمنطقة نجران-: "مما لا شك فيه أنّ تقدم الشعوب ومواكبتها للتطور إنما هو ناتج عن تقدم القيادات لديها، ومن باب أولى تمييز القيادات التربوية الممثلة في مديري ومديرات المدارس بحوافز مادية ومعنوية مناسبة، لا سيما وهم مؤتمنون على أهم فئة في المجتمع"، موضحةً أنّه من الملاحظ في ظل انعدام تلك الحوافز المستحقة أصبح هناك عزوف كبير من قبل الكفاءات عن إدارة المدارس، حيث إنّها تشكل عبئاً كبيراً على المعلم إذا قبل بها ولم يحصل على ما يميزه سوى المسمى المهني، فلا صلاحيات يملك، ولا بدلات أو علاوات تميزه عن غيره، وبالمقابل يسلّم أعباءً إدارية ضخمة، ومسؤولية ليست بالهينة وأضافت أنّ الحاجة في الوقت الراهن لوجود المديرة المتميزة ذات الروح المنطلقة والمعطاء أصبحت ملحة؛ كوننا في مرحلة زادت فيها تطلعات وزارة التربية والتعليم، وكبرت آمالها في أن تحلق بالتعليم لسماء التميز والصدارة، ولن يتأتى ذلك إلاّ بتطبيق المناهج والأساليب الحديثة، والتي من أهمها تحفيز المديرين؛ لنحصل على كفاءات إدارية متميزة، ومستقرة نفسياً، ومعنوياً، ومادياً، أسوة بإدارات الوزارات الأخرى، مستشهدةً بالقول المعروف: "أعطني مديراً ناجحاً، أعطك تعليماً متميزاً".