بيروت: نذير رضا دخلت خطة وزارة الداخلية اللبنانية بنشر قوة أمنية مشتركة لحفظ الأمن في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، حيز التنفيذ أمس، لتبدأ المنطقة اختبار طي صفحة «الأمن الذاتي» التي لاقت رفضا من الدولة اللبنانية وقوى 14 آذار. وباشرت القوى الأمنية أمس انتشارها على نحو 40 نقطة على مداخل الضاحية وفي أحيائها الرئيسة، وسط ترحيب سياسي وشعبي، وترقّب سائقي حافلات النقل والدراجات النارية غير الشرعية، التي يكثر وجودها في الضاحية. وانتشرت القوة الأمنية المؤلفة من عناصر من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأمن العام في الضاحية، بعد ظهر أمس، لتتولى مهام حفظ الأمن في منطقة، بعد أن اضطلع حزب الله بهذه المهمة منذ انفجار الرويس في 15 أغسطس (آب) الماضي، بهدف الحفاظ على أمن المنطقة وسلامة الأهالي وإبعاد شبح السيارات المفخخة. وأقامت قوى الأمن الداخلي حواجز ثابتة على مداخل الضاحية، معززة بقوة ناهزت الـ450 عنصرا، فيما عزز الجيش اللبناني حضوره بنحو 300 عنصر، انتشروا على مداخل الضاحية الرئيسة، وأقاموا حواجز ثابتة لتفتيش السيارات والتدقيق بالهويات، إضافة إلى مشاركة جهاز الأمن العام الذي خصص 100 عنصر ويشارك في مهمة مشابهة للمرة الأولى. وكان عناصر حزب الله أخلوا الحواجز الثابتة التي أقيمت على بعض مداخل الضاحية، قبل بدء انتشار الأجهزة الأمنية، علما أن الحزب كان قلص المداخل المؤدية إلى المنطقة في وقت سابق، عبر إقفال بعض المتفرعات وحصر المداخل في الطرقات الرئيسة، بهدف التدقيق في الهويات وتفتيش السيارات الداخلة إلى المنطقة. وشهدت منطقة مار مخايل، عند الساعة الرابعة من بعد ظهر أمس، وجودا مكثفا لآليات الجيش اللبناني التي استعدت للانتشار على المداخل الرئيسة، فيما ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن القوى الأمنية بدأت انتشارها في الثالثة والنصف بعد الظهر في منطقة الكوكودي وقرب مستشفى الرسول الأعظم على طريق المطار، المدخل الغربي للضاحية. ووصف وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل، خلال مواكبته عملية الانتشار الأمني في الضاحية الجنوبية تجاوب حزب الله بـ«الممتاز». وقال: «يجب أن نصرف الغالي والثمين من أجل الحفاظ على الأمن، فالدولة تحتضن جميع الأحزاب»، مطالبا سكان الضاحية «بالتعاون مع الأجهزة الأمنية التي تنتشر على الأرض لتقول لجميع المواطنين إن الدولة موجودة، رغم بعض التقصير العائد إلى النقص في التجهيزات والعناصر. وآمل أن تنجح هذه المهمة بمساعدة الجميع»، معلنا أنه «بعد هذه الخطوة سنبدأ في طرابلس». ولاقى انتشار القوى الأمنية ترحيبا سياسيا، جاء أبرزه على لسان رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط الذي اعتبر أن الخطة «تقدّم دليلا جديدا على أنه لا بديل عن الدولة كمرجعيّة ومظلة حامية للبنانيين جميعا، لا سيما مع تنامي التحديات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة على أكثر من صعيد». وقال جنبلاط في موقفه الأسبوعي أمس إن «تعزيز الأمن الوقائي لا يكون بخطوات أمنيّة استثنائيّة فحسب، مثل المباشرة بتطويع خمسة آلاف جندي جديد في الجيش اللبناني، بل أيضا من خلال تكوين مناخ سياسي مؤات لضبط الأمن والحد من التفلت المتنقل من منطقة إلى أخرى، والخروج من حالة القطيعة السياسيّة». وفي مقابل ترحيب نواب من حزب الله وحركة أمل التي يرأسها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري بانتشار القوة الأمنية في الضاحية، رأى النائب في كتلة المستقبل عمار حوري أن دخول الدولة إلى الضاحية «يؤكد فشل تجربة الأمن الذاتي التي خاضها حزب الله لسنوات طويلة». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن حزب الله «لجأ أخيرا إلى العودة لكنف الدولة، بسبب فشل تجربة الأمن الذاتي التي اتبعها، وتأثيرها المباشر على الناس، بما فيها الأضرار المباشرة التي ألحقت بهم». وقال حوري إن الأهم في تطبيق الخطة الأمنية هو «أن يكون دخول الدولة حقيقيا إلى الضاحية وليس سينمائيا». وفي موازاة إشارته إلى نفي وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل أن تكون العناصر الأمنية «من لون سياسي واحد»، أعرب عن أمله بأن «تدخل إلى الضاحية قوة أمنية يكون ولاؤها للبنان، وأن تعمم التجربة على مختلف المناطق اللبنانية». وتنهي هذه الخطوة الأمنية الرسمية أربعين يوما من تدابير أمنية فرضها حزب الله في الضاحية، لم تخل من إشكالات مع أهال أعلنوا امتعاضهم من الإجراءات المكثفة. ولاقت ترحيبا من مختلف السكان الذي رحبوا بتولي الدولة اللبنانية الإجراءات الأمنية. وقال حسن فرج، وهو من سكان المنطقة، إن هذه الخطوة «تؤكد اهتمام الدولة بالضاحية كجزء من لبنان، بعد غياب أدى إلى توترات أمنية بين السكان أنفسهم، وسمح بوقوع تفجيرات دامية أدت إلى قتل الأبرياء». وكان حضور الدولة في الضاحية، حتى مساء الاثنين، مقتصرا على مخافر تابعة لقوى الأمن الداخلي، تنتشر في عدة نقاط أساسية في المنطقة، ولم تشهد المنطقة دوريات مكثفة لقوى الأمن، إلا في أيام أمنية معدودة. كما يقتصر على نقاط للجيش اللبناني، ينطلق منها لحل إشكالات تكررت كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية، بين العشائر أحيانا، وبين عائلات ونافذين، ضد حزب الله نفسه في أحيان أخرى. ولطالما كان حزب الله يتولى المهام الأمنية في الداخل، ما وضعه محل انتقاد واسع من خصومه السياسيين، بينما كان قياديوه يتهمون الدولة بالتقصير حيال الوجود في المنطقة، ويكررون أن حضور الدولة قائم في المنطقة. علما أن هذا الحضور، كما يصفه السكان، كان محدودا و«موسميا». ويُقاس حضور الدولة اللبنانية في المناطق، بوجود مخافر قوى الأمن الداخلي، وقد عادت إلى الضاحية عقب انتهاء الحرب اللبنانية في عام 1991، في ظل وجود مراكز للجيش السوري في موقعين على الأقل في الضاحية، حتى عام 2005، تاريخ انسحابه من لبنان. أما الجيش اللبناني، فكان ينفذ مهامه في الضاحية في مختلف المفاصل الأمنية، واستحدث في عام 2008 مركزا له على أوتوستراد هادي نصر الله، من غير إقامة حواجز ثابتة له، قبل انفجار الرويس، حيث أقام خمسة حواجز ثابتة، على الأقل، على مداخل الضاحية الرئيسة. وسمح ابتعاد حضور الدولة اللبنانية المكثف عن الضاحية، بتحرك المخالفين للقانون اللبناني بحرية، مثل حافلات النقل الصغيرة والدراجات النارية غير الشرعية، فضلا عن انتشار ظاهرة حاملي الأسلحة الفردية على نطاق واسع. وينتظر بعض السكان أن ينهي الوجود الأمني للسلطات الشرعية، تلك الظواهر المخلة بالأمن، والمخالفة للقانون، نظرا للعبء الذي تشكله على السكان. وقال علي (41 عاما) لـ«الشرق الأوسط»: «ننتظر من الدولة اللبنانية وضع حد لتلك السلوكيات وتوقيف المخلين ومنع المظاهر غير الشرعية في المنطقة». غير أن هذه المهمة، لم تحدد بعد، ولم يشر إليها وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل.