اعتبر عدد من الشخصيات الدينية والاقتصادية في الأحساء أن مرتكبي حادثة «الدالوة» لن ينجحوا في شق الصف الوطني وإحداث الانقسام بين المواطنين في الأحساء الذين نشأوا على الألفة والمحبة بينهم. وأجمعت الشخصيات، على أهمية صيانة اللحمة الوطنية، والحفاظ على السلم الاجتماعي، ونبذ التطرف والكراهية للحفاظ على المنجزات والمكتسبات الوطنية. وأوضح المهندس صالح العفالق، عضو مجلس الشورى السعودي ورئيس مجلس غرفة الأحساء، أن ما حدث في بلدة الدالوة، أمر مدان بأشد عبارات الإدانة من كل عاقل، بل وإنسان على وجه الأرض، كون هذا العمل استهدف أبرياء وحصد أرواح شباب من أبناء هذا الوطن الغالي. وقال العفالق في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» إنه قدم مداخلة في مجلس الشورى، بعد الجريمة واعتبر خلالها أن ما «حصل من عمل إرهابي طال الأبرياء يهدف إلى شق الصف الوطني واللحمة الكبيرة، وخصوصا في محافظة الأحساء التي عشنا فيها وعاش آباؤنا سنوات ولم تعرف الطائفية قط». وأضاف: «أجمع عدد من أعضاء المجلس على الكلمة، وأعربوا عن تأثرهم بالحدث الأليم، وهذا يؤكد أن الجريمة التي حصلت في الأحساء، مدانة من جميع المخلصين لهذا الوطن، وتفيد فقط المتطرفين والإرهابيين الذين يريدون لهذا الوطن سوءا ويحاولون ضربه في الصميم وتهديد لحمته الوطنية». وشدد العفالق على أنه «وكل المواطنين المخلصين يراهنون على قدرة وزارة الداخلية بقيادة الأمير محمد بن نايف على القضاء على الزمرة المجرمة في كل أنحاء المملكة وقطع الطريق أمام تحقيقها أي من الأهداف الشيطانية وبث الفتنة في الوطن الواحد». وأشار إلى أن ما حدث في الأحساء «عزز أكثر من اللحمة الوطنية، حيث كانت الإدانات من جميع المخلصين من شرق المملكة وغربها وشمالها وجنوبها». واعتبر أن «القيادة السعودية الحكيمة والشعب الوفي سيفوتان الفرصة على الإرهابيين الهادفين إلى نقل الصراعات من بعض مواطن الفتن إلى بلاد الحرمين، حيث سيقف الجميع صفا واحدا مع القيادة ورجال الأمن لنزع الإرهاب من جذوره وتجفيف منابعه الفكرية»، كما أشاد العفالق بالجهود الكبيرة لرجال الأمن مما ساهم في سرعة القبض على الجناة ووضع حد سريع لأي تشنج طائفي لن يكون مفيدا لأحد. وأوضح الشيخ قيس المبارك، عضو هيئة كبار العلماء، وأحد علماء المحافظة، أن قتل الأبرياء في قريتهم الآمنة «الدالوة» جريمة مصادمة لديننا، وهي غدر لا يقدم عليه من يتقي الله لو كان حرا شجاعا لما فر جبنا وخورا. وأضاف: «هؤلاء الأبرياء لا خلاف بين المسلمين في أن دماءهم وأموالهم حرام، بل كل مواطن دمه وماله وعرضه حرام وإن كان يهوديا أو نصرانيا باتفاق العلماء». وقال السيد علي الناصر السلمان، أحد العلماء البارزين في محافظة الأحساء، إن هذه الحادثة هي الأولى من نوعها في محافظة الأحساء، حيث التعايش السلمي والنموذجي بين المذاهب الإسلامية على مر العصور، داعيا للضحايا بالرحمة، والشفاء العاجل للمصابين. وشدد السلمان على أن مثل هذه الأعمال الإرهابية «لن يكون لها أي أثر مستقبلي على العلاقة النموذجية بين أبناء الوطن الواحد، سواء في الأحساء وغيرها»، مطالبا الجميع باليقظة وعدم السير خلف من يريد لهذه البلاد الشر. واعتبر السلمان أن ما حققه رجال الأمن في القبض على الجناة خلال زمن قياسي قصير جدا، يعد بمثابة الإنجاز المعتاد في الحفاظ على الأمن والسلم. وشدد حسن النمر الموسوي، وهو أحد وجهاء الأحساء والدمام، على ضرورة عدم تداول المقاطع والرسائل التي تؤدي إلى الشحن الطائفي، مؤكدا أن هذا العمل الجبان من طغمة فاسدة يجب ألا يكون له أي أثر على اللحمة الوطنية، وطالب الجميع بـ«التحلي بروح المسؤولية والحكمة مع عدم التهوين من هذه الأعمال، بل الوقوف صفا من أجل ألا تتكرر ولا تتوسع دائرتها». وأكد الدكتور توفيق السيف، الأكاديمي والكاتب الصحافي، أن «من ارتكب جريمة الدالوة لا يمكن أن يحسبوا على أي طائفة سوى كونهم إرهابيين»، مشيرا إلى أن «السنة والشيعة في الأحساء خصوصا عاشوا قرون طويلا سادت علاقتهم فيها الألفة والمحبة إلى درجة أنه لا يمكن التمييز بينهم في أي جانب». وقال السيف إنه يجب على الأهالي أن يحذروا من أشد الحذر من ردود الفعل الجاهلة، التي قد تحرض على الانتقام أو الثأر وأمثال ذلك من أفعال الجاهلية، بحيث إذا سمع الأهالي من يحرض على الانتقام «فاحثوا التراب في وجهه، وانكروا مقالته ودعواه»، وإن سمعتم من «يروج للتكفير والتكفير المضاد فلا تساعدوه». وشدد الشيخ حسين العايش أحد علماء الطائفة الشيعية في محافظة الأحساء، على ضرورة تأكيد السلم الاجتماعي، وقال: «نحن في محافظة الأحساء مختلفون عن باقي مناطق المملكة، فنحن نعيش تعددا مذهبيا منذ مئات السنين، ولا نريد للأحداث التي تتعرض لها المجتمعات الأخرى أن تنتقل إلينا، بل نريد في الأحساء وفي غير الأحساء، ولكن نؤكد على الأحساء باعتبار الحادث الإرهابي الأليم، أن نحافظ على هذا السلم وألا ننجر وراء ردود الفعل غير العقلانية». كما أكد الشيخ العايش على أهمية نبذ الطائفية، ومنع التصرفات التي تغذيها مهما كانت مصادرها، فلا يمكن الحفاظ على المنجزات الوطنية إلا بنبذ الطائفية. وشكر الشيخ العايش جميع المسؤولين الذين تعاطفوا مع ذوي المتوفين ومع المصابين، وقال: «نشد على أيديهم في التعامل مع الحادث». بدوره، قال الدكتور يوسف الجبر، الرئيس السابق لنادي الأحساء الأدبي: «نعزي أنفسنا وليس أبناء قرية الدالوة، فخنجر الغدر أصابنا جميعا، والكل أصيب بالحسرة والألم لأنه حادث غير مسبوق وغير متوقع وجريمة بشعة بكل ما تعنيه الكلمة، حيث كان الحدث صادما لكل من تابعه من مختلف مناطق المملكة، والألم لن يقف عند حد معين، لأن الأمر تجاوز كل الحدود، فاستهداف قرية صغيرة هادئة بهذا الغدر والحقد، وهي جريمة لا تغتفر». ويشير الجبر إلى أن القرية عرفت بحبها للأدب وقدمت الكثير من أبنائها كخبرات وطنية، وخصوصا في المجال الطبي، لكن في ظل دخان الفتنة الطائفية، برز على السطح مشاعر التضامن والتآخي والتكاتف بين مختلف أبناء المجتمع السعودي على اختلاف مناطقهم. وتابع: «هذه المواقف لها فعل تضميد الجراح وإعادة الحياة إلى هذه البلدة الوادعة، فالكل تكاتف معها من الشرفاء والوطنيين، وكانوا متعاطفين مع ضحاياها ومصابيها». وأضاف: «من يعرف تاريخ الأحساء، وأبجديات تعامل أبنائها يعلم أنه لا توجد قوة قاهرة يمكن أن تغير عقيدتهم في الحب والتسامح، ولن يسمح أبناء الأحساء للفكر الخارجي بأن يتسلل بينهم ويفسد حياتهم».