في بداية تطبيق استراتيجة وزارة العمل لخفض معدلات البطالة بين المواطنيين وتبنيها برنامج نطاقات ورفع رسوم الاقامة، جمعتنا ورشة عمل مع معالي وزير العمل في حينه، والذي قدم عرضا مميزا لاستراتيجة وزارته. ورغم أن العرض نفسه كان مختصرا، الا أن وضوحه في ذهن الوزير كان جليا في قدرته الفائقة على الاستجابه لكل التساؤلات، تعتمد الاستراتيجية ببساطة على رفع تكلفة العامل الوافد ما أمكن، وتحرير سوق عمل الوافدين لرفع التكاليف، ما يؤدي الى غلق الفجوة بين تكاليف وأجور السعوديين والوافديين، وقد طرحت على معاليه ثلاثة تساؤلات لم تكن الاجابة في حينها كافية. السؤال الأول هي غياب الأولويات في الاستراتيجية التي عرضت علينا، وثانيا غياب الفترة الزمنية لتطبيقها، وثالثا لا يوجد اهتمام واضح بتحسين بيئة العمل. والحقيقة أنني لم أحصل على اجابة مباشرة عن تلك التساؤلات، ولا يبدو أن تطبيق سياسات وزارة العمل في فترة لاحقة قد اعتمدت على أولويات كما لاحظنا ذلك عند التطبيق، ناهيك عن أنها لم تتبن فترة زمنية واضحة لتطبيق سياساتها. وفي نفس الوقت لم نلحظ أي تحسن على بيئة العمل في المؤسسات والشركات السعودية لجعلها أكثر جذبا لتوظيف المواطنين، لقد حدث تحسن جيد بعد مرور نحو أربع سنوات من تطبيق الاستراتيجية في توظيف السعوديين لكن ذلك قابله زيادة مفرطة في استقدام الوافدين ماجعل معدلات البطالة تبقى مرتفعة. لقد آن الأوان للدخول في موجة ثانية تركز على تحسين بيئة العمل للشركات والمؤسسات الخاصة لأهمية ذلك في استقطاب السعوديين والسعوديات، وأولى تلك التحسينات تكمن في خفض ساعات العمل، واقرار اجازتي يومي عمل، وتطبيق أنظمة ادراية وهيكلية داخل شركات القطاع الخاص توضح مسار التدرج الوظيفي لدى العاملين، مع وجوب وجود أدلة للسياسات والاجراءات المالية والادارية لازمة التطبيق، اذ أن نجاح شركات القطاع الخاص في تبني أنظمة ادارية ومالية شفافة وواضحة سيجعل منها ملاذا جيدا لتوظيف السعوديين والسعوديات. فخفض ساعات العمل ومرونتها مع اجازتي يومي عمل ستجعل من القطاع الخاص جذابا للاناث على وجه الخصوص فهن من ساهم في جعل معدلات البطالة تستقر عند نسب عالية. إن تغيير استراتيجة وزارة العمل من رفع تكاليف العمالة الوافدة الى تحسين بيئة العمل ستكون كفيلة بشكل كبير في القضاء على التوظيف الوهمي واقبال السعوديين على وظائف القطاع الخاص، وضمان الديمومة والاستمراراية. ولنا في قطاع البنوك والبتروكيمياويات والنفط والغاز مثالا واضحا لارتفاع نسبة السعوديين والسعوديات لأن بيئة العمل أكثر شفافية وافصاحا مع تميزها باضافة التقدير الذاتي وعنصر الولاء لهذه المؤسسات، ما يساهم في الاستقرار الوظيفي وديمومته مع زيادة في الانتاجية. وفي اعتقادي أن مسألة الأجور قد حسمت في الموجة الأولى للاستراتيجة بعد قبول القطاع الخاص على التوظيف بمرتبات تراعي الحد الأدنى للأجور والمهارات والخبرات المطلوبة، مع زيادة الثقة في توظيف وانتاح السعوديين والسعوديات مايتطلب من وزارة العمل التركيز في المرحلة القادمة وتبني شعار تحسين بيئة العمل، إن ذلك سيحقق عدة أهداف منها زيادة التكاليف التنظيمية والتشريعية والبيئية لدى القطاع الخاص مايجعله يطالب بزيادة الانتاجية للتعويض ما يعني خفض معدلات المحاباة والتوظيف الوهمي، وسيساهم ذلك في زيادة التنافسية بين الموظفين أنفسهم سواء وافدة أو مواطنة في رفع مستوى الانتاجية وخفض معدلات التوظيف الوهمي والبطالة المقنعة حتى بين العمالة الوافدة نفسها، لتبقى المهارت والخبرات والمساهمة الجادة في ربحية شركات القطاع الخاص هي المعيار الحقيقي للتوظيف.