لم تتوتر العلاقات بين أميركا وإسرائيل منذ أيام العدوان الثلاثي (1956) كما توترت في هذه الأيام بعد معركة غزة وإصرار بنيامين نتنياهو على بناء مستوطنات جديدة، متجاهلا كل احتجاجات واشنطن ونصائحها. وقيل الكثير عن تبادل الشتائم بين المسؤولين من الطرفين. وانقطع حبل الوصال بين نتنياهو وباراك أوباما. حصل ذلك بعد ردود الفعل العالمية ضد السلوك الإسرائيلي وتصويت الأكثرية البرلمانية في بريطانيا والسويد بجانب الاعتراف بفلسطين كدولة. وسمعنا عن شتى الشخصيات اليهودية التي أعربت عن سخطها التام على تصرفات تل أبيب. كان منهم طبعا، إد مليباند، زعيم حزب العمال البريطاني. ولا شك أن ما تفوه به الرئيس الإسرائيلي روفن رفلين يعتبر أخطر وأبلغ إدانة لسلوك الحكومة الإسرائيلية، على حد قوله، ووصفه بالحرف الواحد لإسرائيل بأنها «مجتمع مريض في حاجة للمعالجة». لأول مرة في تاريخ إسرائيل حضر رئيس البلاد، وهو من أقطاب حزب الليكود اليميني المتطرف، محفل الاحتفال بذكرى مذبحة كفر قاسم (1956) الذي يقيمه العرب سنويا، متحديا بذلك كل نصائح زملائه من الحكومة ومن الحزب. ومن الواضح أنه تقصد حضور الاجتماع ليدلي فيه بتصريحات خطيرة. روفن رفلين لا يؤمن بفكرة الدولتين، ويفضل ضم العرب في كتلة الدولة الواحدة. كان فيما قاله بهذا الخصوص أن إسرائيل ستبقى وطنا لليهود، وبعين الوقت وطنا للسكان العرب. هذه إشارة كبيرة في صالح الدولة الديمقراطية الواحدة للعرب واليهود، تصدر هنا لا من جانب اليسار وإنما من اليمين في السلطة. سدد في تصريحاته حملة واضحة ضد سلوك وزرائه وزعماء الدولة، قائلا إنهم لم يعودوا يتصرفون كيهود، ونسوا شخصيتهم اليهودية وكيف يسلكون كبشر إنسانيين. لا علم لي بعلاقته بنتنياهو، ولكن كلماته موجهة له كما أعتقد. كيف ذلك؟ غرور نتنياهو وعنجهيته ومحاولة تسلطه حتى على الرئيس الأميركي، الحليف الأول، وربما الوحيد لإسرائيل في هذه الأيام، يتنافى مع الشخصية اليهودية المعروفة تاريخيا وتقليديا بالتأني والاعتدال والتواضع والتسامح ومداراة مشاعر الآخرين. لا علم لنا بتفاصيل مكالماته مع أوباما والمسؤولين الأميركان. ولكن يلوح لي أن غروره بقوة اللوبي اليهودي في أميركا شجعه وأغراه على التكبر والتعالي والتهور في كلامه، وكأن الرئيس الأميركي في جيبه. بيد أن نتنياهو ليس مغرورا بتأييد اللوبي اليهودي فقط. هناك أيضا الناخب الإسرائيلي. وهنا نجد التفسير لكلمات رفلين. «مجتمع مريض يحتاج للمعالجة» كيف؟ يكمن سر الداء في هذه الخلطة غير المتوازنة ولا المنسجمة. الشرقيون (السفارديم) والروس، الذين يكونون الأكثرية الساحقة، جاءوا من مجتمعات لا تعرف الديمقراطية وحقوق الإنسان. وبهذا التراث المريض يصوتون لليمين الذي يدعم نتنياهو ويسحق حقوق العرب بما يفضي لهذا الوضع المريع والمضطرب واللاديمقراطي واللاإنساني. العلاج في معالجة هذه الأكثرية التي اعتادت اعتبار ظلم الإنسان وقمع حقوقه شيئا معقولا وطبيعيا.