حين سأله أحد الدبلوماسيين الغربيين، بشكل شخصي: كيف هو إحساس أن تكون أميرا؟ أجاب بتلقائية معهودة وبلكنة إنجليزية متمكنة: "هو الإحساس ذاته حين لا تكون أميرا؛ فكونك أميرا لا يمنع الشعور بالبرد أوالجوع. وأن تكون أميرا لا يعني أنه لا يمكنك ملاحظة هذا العالم الذي يتجه من سيئ إلى أسوأ، مستشعرا آلام الآخرين وأحزانهم حينا، وسعيدا بأفراحهم حينا آخر". لعل هذا السؤال الذي فوجئ به تركي الفيصل، في جلسة ثنائية خاصة، والإجابة المؤثرة والعميقة التي لم نكن لنطلع عليها لولا تصوير الحوار من خلال الهاتف المحمول للسائل، وبثه على اليوتيوب.،يؤكدان عمق وثبات المبدأ الإنساني الذي يستشعره كل من يتابع مشاركات الفيصل إعلاميا وأكاديميا، وقبلهما سياسيا، من خلال المناصب التي تبوأها لخدمة الوطن إضافة إلى الرحلات التي قام بها من أجل السلم العالمي. فكان على طوال الخط السياسي صمام أمان وسفيرا فوق العادة ولا يزال إلى هذه اللحظة، سفيرا للكلمة والمعلومة الموثقة ضد أي تزوير أو تشويه إعلامي، في حق الدين أو الوطن. تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود ولد في مكة المكرمة (15 فبراير 1945)، وهو أحد أبناء الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود ورئيس الاستخبارات العامة الأسبق. تلقى الأمير تركي تعليمه الأولي والمتوسط في مدينة الطائف، ثم التحق بمدرسة "لورنسفيل" الخاصة في ولاية نيوجيرسي الأمريكية وأنهى فيها تعليمه الثانوي متخرجاً عام 1963، ومن ثم دخل جامعة جورج تاون في العاصمة الأمريكية واشنطن. كان يرى نفسه مهندسا معماريا، ولكن لم يوفق، فغير دراسته ومن ثم حصل على بكالوريوس آداب في عام 1968م. وفي عام 1973 عين مستشاراً في الديوان الملكي، ثم رئيساً للاستخبارات العامة في 1977 خلفاً لخاله الشيخ كمال أدهم وظل يشغل هذا المنصب حتى 2001. يتميز حضور تركي الفيصل بسرعة البديهة وباختيار دقيق وذكي للمكان واللحظة السياسية المناسبين لإبداء الرأي أو تصحيح المعلومة، إما من خلال مقال في صحيفة أو محاضرة في مركز بحثي، أو من خلال مناظرة في منتدى عالمي. وعلى الرغم من أنه لا يفوته التأكيد مرارا وتكرارا، خصوصا بعد تركه للعمل الرسمي، أن هذه الآراء شخصية. إلا أن هذا لا يمنع الإعلام العالمي من تداولها بكثير من الاهتمام والتحليل، لعلمهم الأكيد بمدى تمرس الفيصل وقيمته المعلوماتية والاستشارية، ديبلوماسيا وسياسيا. حيث عمل سفيراً لخادم الحرمين الشريفين لدى المملكة المتحدة عام 2001 قبل أن يصبح سفيرا للمملكة في الولايات المتحدة في تموز (يوليو) 2005 خلفا للأمير بندر بن سلطان. إلى أن استقال من منصبه سفيرا للمملكة لدى أمريكا في شباط (فبراير) عام 2007. وسبق لتركي الفيصل أن زامل الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون خلال فترة دراسته الجامعية، وكان وثيق الصلة بعلاقات العمل والتعاون مع واشنطن خلال فترة رئاسته جهاز الاستخبارات العامة. وحول طبيعة العلاقة السعودية ـ الأمريكية يتحدث الفيصل لقناة البي بي سي البريطانية واصفا إياها بالمتوازية والمتفاوتة، قربا وبعدا، بحسب الظروف السياسية المحيطة. إلا أن هذه العلاقة، برأيه، ترتكز أولا، وقبل كل شيء، على القضية الفلسطينية وموقف الإدارة الأمريكية من تفعيل عملية السلام وتسريعها في ضوء المبادرة العربية. فلسطين التي يحمل الفيصل همها حيث حل بالقدر ذاته الذي يحمل فيه هموم وطنه من منظور سياسي عقلاني، لا يمنعه من انتقاد ما يراه خطأ مهما كان مصدره، دون البحث عن شعبويات زائفة تعزف على عواطف الجماهير لتحقيق مكاسب شخصية أوسياسية انتخابية هنا أوهناك. ما دفعه لأن يكتب إبّان العدوان الإسرائيلي الأول على شعب غزة في عام 2006 أننا جميعا "غزاويون"، وكرّر تلك العبارة في مقالٍ آخر في صحيفة "الشرق الأوسط" حمل عنوان "نحلم بقيادات فلسطينية أكثر حذراً" إثر أحداث غزة الأخيرة. كما رفض في الجانب الآخر دعوات متكررة من قبل الإسرائيليين لزيارتهم، مدركا أن هذه الدعوات ليست سوى محاولات للتلاعب بمشاعر الرأي العام العالمي طالما أنه ليس هناك أي تقدم على مستوى إنجاز المبادرة العربية سياسيا. كما يعرف عن تركي الفيصل ثقافته العامة ونشاطه الواسع ومشاركاته العديدة على الصعيدين الثقافي والاجتماعي. وهو أحد مؤسسي "مؤسسة الملك فيصل"، ورئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. وعلى الجانب البريطاني يشغل الأمير تركي منصب رئيس مجلس إدارة مركز الأمير تشارلز للفنون الإسلامية والتقليدية، بجانب كونه رئيساً مشاركاً في مجموعة "سي 100" المتصلة بالمنتدى الاقتصادي العالمي منذ عام 2003. كما أنه المسؤول الأول عن المعارض التعريفية والتوثيقية عن والده الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود الذي جاء باسم "الفيصل.. شاهد وشهيد". من خلال هذه السيرة المختصرة يمكن ملاحظة اهتمام الفيصل بالمجالين البحثي والفني، بالقدر ذاته الذي يوليه للسياسة والاقتصاد. وهذا الإلمام والتنوع المثمر يفسر ثقافته الواسعة وحجته القوية، فكثيرا ما اشتهر بردوده الوافية والمفحمة لمن يحاولون استغلال حضوره الإعلامي للنيل من المملكة وتوجهاتها، إما من خلال معلومات مغلوطة أو بتمرير أحقاد مقصودة. ويبقى الفيصل الذي تمنى يوما أن يكون مهندسا معماريا، سفيرًا دون وزارة أوحقيبة ودون الحاجة إلى الإقامة في دولة بعينها؛ سفيرا ومهندسا لبنيان كامل ومميز من الكلمات العميقة والمؤثرة دوليا، جامعا لذلك كل ما يحمله من خبرة وثقافة ومعرفة إضافة إلى ما يحمله لوطنه ودينه من إخلاص ومحبة، تجعلانه دائم الذود عن حماهما ضد كل ما يقال أو يثار دوليا، بالحجة القوية والمنطق السليم والكلمة الطيبة.