خلف الحربي للوهلة الأولى، يبدو قرار هيئة الطيران المدني بمنع سائقي التاكسي الذين يعملون بشكل فردي في المطارات واستبدالهم بشركات متخصصة عملا تنظيميا جيدا، خصوصا أن أخطاء بعض سائقي التاكسي في المطارات أساءت لصورة الأكثرية من هؤلاء السائقين الذين يكافحون بحثا عن لقمة العيش الشريف، فبعض هؤلاء السائقين لا يلتزمون بالتسعيرة، ويتزاحمون بسياراتهم أمام المطار بشكل غير حضاري، ويكادون يمزقون ثوب المسافر أثناء محاولاتهم جذبه باتجاه سياراتهم.. كل ذلك صحيح ما دمنا نتحدث عن (البعض) منهم وليس جميعهم؛ لذلك قد يجد الكثيرون في قرار الاعتماد على شركات متخصصة مرتبطة بأنظمة إلكترونية أمرا جيدا، وهو أسلوب مطبق في الكثير من دول العالم، ولكنني ــ للأسف الشديد ــ لا أثق بمثل هذه القرارات؛ لأنني أجد فيها طريقا لاستغلال خطأ كبير من أجل ارتكاب خطأ أكبر!. ولكي ندخل في الموضوع مباشرة دون (أحم ولا دستور)، فإننا سوف نطرح الأسئلة البديهية التي لا بد من طرحها مع هكذا قرارات: من هم أصحاب هذه الشركات؟، وعلى أي أساس سيتم اختيارها؟، وهل سيتم الإعلان عن مواعيد التقديم لهذه الشركات من باب تكافؤ الفرص أم سيتم اختيارها في مكاتب مغلقة؟، وما هو مصير العديد من المواطنين الذين يكسبون قوت يومهم من خلال عملهم في هذا القطاع؟!، وغير ذلك من الأسئلة التي لا بد من طرحها قبل الانحياز إلى الصورة السياحية البراقة التي يبشر بها القرار. في ثنايا القرار التفاتة سريعة إلى أوضاع سائقي التاكسي من المواطنين يتلخص في إمكانية انضمامهم للعمل في هذه الشركات، وهنا مربط الفرس ومرقد البعير فالمتوقع في مثل هذه الحالة أن يدفع هؤلاء السائقون إتاوة شهرية لأصحاب الشركات كي يواصلوا عملهم السابق وبذات الأسلوب، وهكذا إذا كنت متذمرا من طريقة عمل السائق (فلان) حين كان يعمل بشكل فردي، فإنك سوف تجده نفسه بشحمه ولحمه، ولكنه أصبح أسوأ من قبل بسبب ضغط الإتاوة الشهرية التي سوف يدفعها للشركة!. لماذا تأتي قراراتنا دائما لصالح شركات معينة نضعها في البال ــ أحيانا ــ قبل طباعة القرارات على حساب المواطن الكادح، وإلى متى تصاغ القرارات التنظيمية بعقلية البلدوزر الذي ينظر إلى الصورة الكبيرة دون اكتراث بأعشاب الطريق الذي يحاول تعبيده؟، ألا توجد أي طريقة خلاقة أخرى تحفظ مصالح الطرفين؟، مثل توزيع أسهم في هذه الشركات على هؤلاء الكادحين أو أي وسيلة أخرى تحفظ حقهم في العيش الكريم.