محمد اليامي ننتظر المطر، لتحيا الأرض، وتغتسل المدن، وتطيب الأرواح برائحة الأرض إذا «اهتزت وربت»، إحساس مفعم بالحياة، تتخلله مناظر جميلة طبيعياً وإنسانياً، لعل من أجملها بللاً في خصلة شعر طفلة صغيرة، تلتصق بجبينها، وربما شاغبت عينها الضحوك، وهي تضحك جذلى بشغبها البريء تداعب هذه القطرات بشيء من بهجة الحياة، الحياة التي تقبل عليها، وتتعرف إليها من خلالنا. هذه الصغيرة، ومعها صغيرات وصغار كثر يظلمهم ويظلم عفويتهم الحالية ونفسياتهم في المستقبل، ما يمارس في كثير من المدارس من تقويض الأمان الداخلي، وتفريغ شحنة الإقبال على الحياة عبر ضخ معلومات مثيرة للهلع عن مواضيع الموت والقبر ويوم القيامة، المواضيع التي نؤمن بها، ونستوعبها كباراً، وجبلنا على التعايش معها بالعبرة والتذكر حيناً، وبالسلوان في شؤون حياتنا، و«جهادنا» في سعينا في رزق عيالنا، أو آبائنا وأمهاتنا، إن كانوا موجودين، ويقيننا المبني على خبرتنا التعبدية، وبعض علمنا، أن رحمة الله تسبق عذابه، وأن الله أرحم بعبده من أمه التي وجدته بعد فقد فالتقفته بحضن فيه من الحنان ما يكفي سكان الأرض. كيف تفعلين بصفتك أماً؟ أو كيف تفعل كونك أباً أمام صغيرة أو صغير للتو بدأت تحببه في الصلاة بعد أن جاوز السابعة، وتأمره بها برفق سيمتد معك ثلاثة أعوام، وهو يسألك بقلق عن احتراق الأرض في أية لحظة لقيام الساعة؟ أو كيف سيكون لوحده في القبر يجيب عن أسئلة الملائكة من دون مساعدتك؟ أو أن أية مخالفة صغيرة لما يقوله معلمه أو معلمتها ستؤدي به إلى النار؟ مربك لك قبل صغيرك ما يحدث، فأنت لا تستطيع إنكار ما قيل له بالكلية، وأنت أيضاً باعتبارك أحد الوالدين ربما لا تملك الأسلوب النفسي الصحيح لتهوين الأمر وإبعاده عن تفكيره. تأمل في وجه الصغار عند إطلاقهم هذه الأسئلة، ستقرأ اهتزازاً واضحاً في أمانهم النفسي والداخلي، واهتزازاً حتى في ثقتهم بأنك قادر حيناً على الوقوف بجانبهم، كل هذا الدمار النفسي يحدث لأن المعلمة أو المعلم يحتسب في وعظ صغار لم نكلف إلا «بمحاولة» إقناعهم بالصلاة، باعتبارها فترة تدريب روحي جسماني على علاقتهم بربهم، العلاقة التي أزعم أنها أمتن وأعمق من علاقة المتشدق أو المتشدقة بالدين، ينفرد بصغار يجعل الحياة سوداء في أعينهم، والممات قصة رعب، ظناً منه أنه يربي فيهم الإيمان، وهو لا يعلم أنه يربي فيهم الكفر بالحياة، وربما بالحب، الحب الذي تقوم عليه العلاقة بين الخالق والمخلوق، وبين الخلق جميعاً. متى نوقف أعداء الحياة والحب عن نزع الحياة والحب من أفئدة الصغار؟ متى يتعلمون في كلياتهم ومدارسهم أن الإنسان عالم معقد، وأن علم التربية من العلوم الإنسانية، وأحكام العلوم الإنسانية فيها من النسبية ما فيها، وأنهم ليسوا أحكم ولا أحرص من رسولنا الأمين عليه صلوات الله وسلامه وله محبتنا، الذي علمنا دوماً أن الأولوية للرحمة والحب والحياة؟