مشهد سينمائي بسيط تداوله موقع «يوتيوب» على شبكة الإنترنت أول من أمس، بات يهدد باندلاع أزمة جديدة قد تنتهي بسجن أحد كبار الفنانين الروس ممن تتهمهم السلطات الأوكرانية بالإرهاب والتطاول على سيادة ووحدة أراضي الدولة والتورط في استخدام القوة المسلحة لتهديد أمنها وحياة مواطنيها. هذا المشهد الذي يصور الفنان السينمائي الروسي ميخائيل بوروتشينكوف وهو يطلق الرصاص بمعية انفصاليين من جنوب شرقي أوكرانيا خلال الأيام القليلة الماضية، صار مبررا لأزمة تشابكت فيها السينما مع الحرب مع الصحافة، كمقدمة لمسلسل استدعت أحداثه مشاركة رجال القضاء وشرطة الإنتربول وممثلي اتحاد الصحافيين الروس. ومن اللافت أن سيناريو هذا المسلسل المرشحة أحداثه للتصعيد، جاء تأكيدا لحقيقة أن تبعات الحرب في أوكرانيا لم تعد تقتصر على المواجهات العسكرية بين الانفصاليين في جنوب شرقي أوكرانيا والقوات الحكومية التي دفعت بها كييف لاستعادة سيطرتها على هذه المناطق بعد ضياع شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في مارس (آذار) الماضي. وها هي الحرب في أوكرانيا وبعد أن ترامت أصداؤها لتطال الكثير من مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية في كل من أوكرانيا وروسيا، تعلن عن وقوع رجالات الفن والثقافة ضحايا التورط في أحداث ليست لهم فيها «لا ناقة ولا جمل»! فبعد أن أدرجت السلطات الأوكرانية ما يزيد على 500 من أبرز ممثلي الأوساط الفنية والثقافية الروسية ضمن قائمة غير المرغوب فيهم ومنعهم من دخول إلى أوكرانيا، بسبب إعلان تأييدهم لسياسات الرئيس فلاديمير بوتين التي اعتبرتها معادية لأوكرانيا، عادت لترفد هذه القائمة باسم جديد يطالب وزير الداخلية الأوكراني أرسين أوفاكوف، منظمة الإنتربول بتسليمه لمحاكمته بتهم تصل عقوبتها حد السجن لمدة ما بين 7 و12 سنة. أما عن الأسباب فقد أوجزها الوزير الأوكراني في أن ميخائيل بوروتشينكوف انتهك الحدود الأوكرانية ودخل بشكل غير مشروع إلى أراضي جنوب شرقي أوكرانيا، وانخرط في نشاط إرهابي بمشاركته مع الانفصاليين في إطلاق الرصاص ضد القوات الحكومية هناك. ولم تكتف كييف الرسمية بما طلبه وزير داخليتها، بل أعلن بوغدان تشيرفاك مدير إدارة الإعلام لدى لجنة الدولة للإذاعة والتلفزيون بعدم إذاعة كل الأعمال الفنية للفنان الروسي عبر وسائل الإعلام الأوكرانية، ووقف ما يبثه التلفزيون الأوكراني حاليا من مسلسلات يشارك فيها. ورغم مسارعة الفنان ميخائيل بوروتشينكوف يوم أمس لتوضيح أن ما جرى نشره من مشاهد لم يتعد المشاركة المعنوية للمقاتلين في جنوب شرقي أوكرانيا على نحو مسرحي، بعيدا عن خطوط المواجهة العسكرية، فضلا عن أنه لم يستخدم في ذلك الذخيرة الحية، فإن «الطلقة» كانت نفذت إلى ما هو أبعد لما كان مقدرا لها، بغض النظر عما إذا كانت «حية أو ميتة»! ولم يستمع أحد إلى ما قاله بوروتشينكوف بعد ذلك حول أنه كان في زيارة لهذه المناطق في عداد وفد مرافق للمساعدات الإنسانية لأطفال وسكان هذه المناطق المتضررة. ولم تقتصر ردود الأفعال على الجانب الأوكراني، بل تعدتها إلى الجانب الروسي الذي سارع هو الآخر إلى إعلان احتجاجه على ظهور الفنان بوروتشينكوف مرتديا خوذة قتالية وسترة واقية من الرصاص مكتوب عليهما «صحافة»، وهو ما قال إنه يعطي المبرر لاحقا لاستهداف الصحافيين ورجال الإعلام وكأنهم أيضا من المنحازين للانفصاليين في جنوب شرقي أوكرانيا. وكان عدد من أبرز الصحافيين الروس سارعوا كذلك إلى شجب مثل هذه التصرفات التي وصفوها بـ«العبثية»، وقالوا بعدم جوازها من منطلق أنها تنال من اسم ووضعية الصحافة والصحافيين. كما أضفت البيانات والتصريحات التي صدرت لاحقا، على المشكلة بكثير من التوتر والغموض، ومنها ما صدر عن عدد من مرافقي الفنان الروسي بوروتشينكوف ممن قالوا إن مكان تسجيل هذه اللقطات كان على مقربة من مطار دونيتسك وهو موقع متنازع عليه بين القوات الحكومية والانفصاليين بما يعني أنه «ساحة حرب». وتناقلت وكالات الأنباء تصريحات أحد شهود العيان الذي قال إن بوروتشينكوف أراد أن «يتسلى» بإطلاق النار وهو ما أتاحه له الجنود المرافقون بما في ذلك توفير الهدف الذي يمكن توجيه نيرانه إليه. وبغض النظر عن مدى مصداقية ما يتناقلونه من تصريحات فإن الواقعة تحولت إلى «وقود جديد» ثمة من يجد في استخدامه مبررا لتذكية نيران الحرب والتوتر قبيل الانتخابات المرتقبة المقرر إجراؤها يوم غد في جنوب شرقي أوكرانيا لاختيار رئيسي «جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك» غير المعترف بهما وكذلك أعضاء السلطة التشريعية في هاتين «الجمهوريتين».