×
محافظة المنطقة الشرقية

نسائية إخاء” تختتم أنشطتها بالتعريف بتاريخ المملكة‎

صورة الخبر

انتشرت أخيراً ظاهرة كتابة السير الذاتية والمذكرات بصورة كبيرة جداً، هذه الظاهرة التي كانت موجودة منذ زمن بعيد في الأدب العربي لكن بصورة محدودة، والتي امتدت الآن لتشمل تسجيل اليوميات ونشرها بكُتب أحياناً. عن ظاهرة كتابة السير الذاتية والمذكرات، وعما إن كانت تُثري الساحة الأدبية، وتضيف إليها، أم العكس، التقت اليمامة عدداً من المختصين بالأدب العربي لاستطلاع آرائهم.. يرى د. عارف الساعدي، - أستاذ الأدب والنقد بالجامعة المستنصرية ببغداد، أن المذكرات واحدة من الأجناس الأدبية التي ظهرت في بدايات القرن الماضي وقد اختلف أهل نظرية الأدب في تصنيفها الأجناسي فهل هي للتاريخ، أم هي للأدب، أم ماذا؟ ولكنها في النتيجة خليط فيه كل هذه التفاصيل وبالتالي تعطينا مادة ثرية تنفع الباحثين بالنسبة للعاملين على التاريخ، وتنفع الأدباء الباحثين عن تاريخ الأدب وصراعات الأجيال الأدبية، والأشكال. ولكنها قطعاً لا تمنح إجابات نهائية، لأن كاتب المذكرات سيحاول في الغالب جاهداً أن يقدم صورة ناصعة عن نفسه وأيضاً لأنها تدوين بلا ضوابط سوى الذاكرة والذاكرة تخضع للكثير من الأمور. وللأسف لا نملك نحن العرب كُتَّاباً مثل الكُتَّاب الغربيين يملكون الجرأة في أن يتحدثوا كل شيء عن أنفسهم بتجرد تام. والغريب أن المذكرات أول ما ظهرت ككتب مستقلة على حد اطلاعي ولو في العراق فقط، ظهرت من خلال مذكرات كبار الساسة العراقيين في أيام الملكية فقد وجدت طبقة من السياسيين اهتموا بالجانب التوثيقي وظهرت عشرات المذكرات لكبار الساسة ولقادة عسكريين كبار اشتركوا بانقلابات وبمؤامرات كبيرة، وقد منح هؤلاء التاريخ المعاصر نكهة ومزاجاً طرياً. ويواضل د. عارف قائلاً: شخصياً أميل لقراءة مذكرات الساسة والعسكريين أكثر من مذكرات الأدباء والشعراء، فالشعراء يكذبون دائماً وحين يكتبون مذكراتهم يصورون أنفسهم آلهة، رغماً عن هذا أحب مذكرات عبدالرازق عبدالواحد وأراها ممتعة ورائعة. التماس مع عناصر الحكي د. نانسي إبراهيم - أستاذ الأدب والنقد الحديث بكلية الآداب جامعة قناة السويس، ترى أن فن كتابة السيرة الذاتية ليس فناً مستحدثاً فى الأدب العربى – كما يظن البعض – بل هو فن قديم وأصيل فى الثقافة العربية، ومن أشهر وأقدم ماوصلنا منه كتابات (ابن هشام) عن سيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم – وسير الكثير من الشخصيات على يد آخرين مثل؛ سيرة بن طولون للبلوى – وسيرة صلاح الدين لابن شداد. وإذا نظرنا إلى السيرة الذاتية بوصفها فناً أدبياً؛ لوجدناها تنقسم لقسمين؛ قسم يكتبه الأديب عن غيره كما حدث فى العصر الحديث فى (عبقريات العقاد)، وبعض كتابات (طه حسين) مثل: (على هامش السيرة)، (والشيخان)، وقسم يكتبه الأديب عن نفسه مثل كتاب (الأيام) لطه حسين الذى يعده النقاد أكمل ترجمة ذاتية فى الأدب الحديث، كما يعدون كتاب (جبران) لميخائيل نعيمة هو أكمل سيرة أدبية عن آخرين. وتواصل د. نانسي قائلة: أرى أن كتابة السيرة الذاتية والمذكرات عمل يثري الساحة الأدبية إن تعدى مرحلة السرد التاريخي لأحداث واقعية، إلى بناء فني متماسك بلغة أدبية وصنعة فنية؛ ليأتي إلينا في ثوب سرد قصصي محكم؛ حيث يتماس مع الكثير من عناصر الحكي من شخوص وأحداث وتنامٍ وزمان ومكان تقترب من روح الملتقي الذي تتوق نفسه لقراءة تجربة حياتية لشخصية محببة لديه بصورة أدبية شائقة. ومن آخر ما قرأت – حديثاً – سيرة الدكتور السعودي (عبدالمحسن القحطاني) (بين منزلتين)، (ورحلة البحث عني) للدكتورة (لوتس عبدالكريم) وكلاهما يقدم صورة الكتابة الذاتية عن النفس بإطار فني وأدبي مشوق ومفيد. إشكاليات باقية د. الرِّيم الفوَّاز - أستاذ الأدب والنقد الحديث المساعد في جامعة الملك عبدالعزيز، تشاركنا قائلة: حين كتب روسو في الأدب الفرنسي في القرن التّاسع عشر اعترافاته وضع حجر الزّاوية لجنس أدبيّ جديد، هو (السيرة ذاتيّة) ومنذ ظهور أيام طه حسن توالت نصوص السير في مصر وفي البلاد العربيّة وشرع عدد غير قليل في رصد تجاربهم وكتابة سير حياتهم، ولكن مازالت الإشكاليّات الفنيّة الّمتعلقة بهذا الجنس الأدبي النّاشئ باقية. والسيرة الذاتيَّة في أبسط تعريف هي «نصٌ سردي يحكي حياة مؤلفه» ولكنها ما زالت تحتاج إلى التّصنيف والتّحديد والتّعريف؛ لأنه يصعب التمييز بينها والمذكّرات وبينها وبين الرّواية والسير الذاتيّة، فرغم وجود خطوط فاصلة بينها إلّا أنّها غير مطلقة بغض النّظر عن جواز التّداخل بين الأجناس الأدبيّة. وما زال هذا الجنس الأدبي في حالة التكوّن باحثاً عن مقوّماته الفنيّة التي يمكن أن تضع الحدود بينه وبين الأجناس السّرديّة الأخرى وأرى أن السيرة الذاتيَّة جنس أدبي استطاع أن يفرض نفسه في الساحة الأدبية سواء أكانت سياسية أم أدبية أم فكرية فلسفية، فهي توجه انتهجه الكثير من الأدباء والمثقفين والمفكرين حين يكتبون سيرهم الذاتيَّة، كما أنها ليست حكراً على المبدعين فقد يكتبها المشاهير أو الجنود أو المساجين، والسيرة الذاتيَّة يمكن أن تكون مرجعاً مهماً لبعض الأحداث إن اتسمت بالحيادية والصدق، ويمكن أن تكون حافزاً ومشجعاً لقارئها، حيث يستخلص التجارب والمعاناة التي مر بها صاحب السيرة، ويقول عبدالرحمن منيف في كتابه رحلة. ضوء «إن السيرة الذاتيَّة كصيغ كتابة، لها سحر آسر لكاتبها وقارئها معاً. إذ بالإضافة للخصوصية فهي في أغلب الأحيان منطلقة، حرة سلسة وفيها كم غير قليل من التفاصيل الحارة». كما حظيت السيرة الذاتيَّة باهتمام من قبل النقاد، فقد تراجعت تلك النظرة التقليديّة التي واكبت نشأتها وتطورها، إذ أضحت كياناً فنياً خاضعاً لآليات اشتغال الجنس الروائي. ويبقى السؤال: كيف يتم الفصل بين ما هو ذاتي وموضوعي في السيرة الذاتيَّة؟ البوح الذاتي أما د. عبدالعاطي الزياني - أستاذ التعليم العالي المساعد - المركز التربوي الجهوي انزكان بالمغرب، فيفتتح مشاركته متسائلاً: لماذا يكتبون سيرهم الذاتية؟ ثم يواصل قائلاً: السيرة الذاتية بوح ذاتي استرجاعي لتجارب الذات، ورصد لحركة أفعالها في الزمان والمكان. وليست السيرة الذاتية عربية المنشأ كما هي عليه في صيغتها المعاصرة، إذ لم تعرف في تراثنا السردي القديم نصوص أثيرة غير «المنقذ من الضلال» لأبي حامد الغزالي و«التعريف برحلة ابن خلدون غرباً وشرقاً» ونصوص أقرب إلى التراجم الذاتية منها إلى السيرة الذاتية. ولذلك فالأدب الغربي سباق ورائد في هذا المجال، ويمكن اعتبار اعترافات جون جاك روسو نصاً مؤسساً لهذا الجنس الحادث. وعربياً عُدَّ نص «الأيام» لطه حسين أول نص سير ذاتي معاصر، لفت انتباه الناس إلى خصوصية عوالمه وطرافة شخوصه ودهشة مواضيعه.، ويكتب الأدباء والمفكرون والساسة سيرهم الذاتية حين يرتفع قدرهم بين الناس وتعظم إسهاماتهم في مجالات تخصصها، ذلك أن القراء غالباً ما يقابلون مآثر الراسخين - حين تصاغ برؤية فنية يتطابق فيها المؤلف بالسارد وبالشخصية – بفضول كبير، وتلقى رواجاً كبيراً، إذ تتضاعف طبعاتها. مثيرة سجالات واسعة لها في زمنئذ. ولقد حصل هذا مع سير كل من طه حسين وميخائيل نعيمة ونوال السعداوي وإدوارد سعيد، ولعل سيرهم الذاتية قد كانت تتويجاً لرحلة عمر حافل، إذ شارفت أعمارهم زمن نشرهم لسيرتهم السبعين والستين ومن ثم بدا بدهياً احتفاء القراء بها على اختلاف أجيالهم. من جهة أخرى ثمة من كتب سيرته الذاتية – رغم حداثة سنه وضعف موهبته - لأجل لفت الأنظار إلى شخصه المتواضع، حيث ينزع إلى اعترافات مثيرة لاستدرار دهشة القراء من مختلف الأعمار، وليرفع من مبيعات عمله. إن كاتب السيرة يلتمس من القارئ اعترافاً واستحساناً لنصه وشخصه وحياته أيضاً كما يرى فيليب لوجون. وحول إثراء أدب السير الذاتية والمذكرات للأدب العربي يقول د. عبدالعاطي: للسيرة الذاتية فضل كبير على عمارة السرد خاصة والأدب عامة، فالأعمال النقدية حولها والمطارحات المنهجية وصيغها التجنيسية مما أسهم في تقدم الخطاب العلمي حول الأدب إبداعاً ونقداً.