من الطبيعي جدا أن يواجه أي مجتمع مشكلات اقتصادية، بصرف النظر عن تصنيفه من حيث القوة أو الضعف. فالاقتصاد بوتقة تجمع موارد المجتمع، ومنها موارده البشرية التي تشكل حجر الأساس لكل اقتصاد. فهي التي تقود بقية عناصر الإنتاج وتوجهها إلى ميادين الإنتاج. وهي ــ في الوقت نفسه ــ قد تمر بأوقات تحيدها عن جادة الصواب، وبالتالي تؤثر سلبا على أدائها. ومن تلك الأوقات ما يمر على المجتمع من تغيرات اجتماعية أو تقلبات سياسية، وهي في مجملها عوامل تنعكس ــ بالضرورة ــ على الأداء الاقتصادي، خصوصا إذا أسهمت في خلل يؤدي إلى الإضرار بهيكل الاقتصاد وفقد التوازن الطبيعي لتفاعل عناصر الإنتاج، الذي لا يتحقق إلا في مجتمع ينعم بالاستقرار. وتلك هي الحالة الضرورية للوصول إلى جادة التنمية المستدامة. وما حدث من تغيرات مرحلية في الاقتصاد السعودي خلال السنوات القليلة الماضية، يعزز الرؤية التفاؤلية لمستقبل هذا الاقتصاد، إلا أنه ــ في الوقت نفسه ــ يبعث على التساؤل حول مدى استطاعة هذه التغيرات المرحلية في تحقيق تنمية مستدامة تستطيع أن تعتمد أمام تحديات المستقبل. ويبدو أن الأولوية الاقتصادية التي يفترض أن ترتكز عليها كل سياسات وإجراءات الأجهزة المعنية في الدولة، يجب أن تتمحور حول مواجهة البطالة. وهذا يتطلب أن تنتهي هذه التغيرات المرحلية بإيجاد فرص عمل كافية لاستيعاب الباحثين عن عمل، والذين تتزايد أعدادهم عاما بعد عام، بحكم تركيبة السكان التي تميل إلى الفئات العمرية الناشئة التي تشكل السواد الأعظم للمجتمع. هنا تكون مواجهة البطالة أولوية اقتصادية تفرضها استحقاقات اجتماعية وسياسية في عالم متغير لا يخلو من مكامن الاضطراب وسمات الخلاف، إن لم نستطع أن نحاصرها بقوة الاقتصاد التي يمكنها أن تكبح جماح أي غلو أو تطرف. والعصا السحرية التي يمكن الاعتماد عليها في إحداث هذا الاستقرار، هي مواجهة البطالة والقضاء عليها، والتعامل معها كأولوية اقتصادية يمكنها أن تقود البلاد والعباد إلى الاستقرار، ذلك أنه لا يمكن أن تصهر عناصر الإنتاج في بوتقة الإنتاج، إلا بتفعيل عنصر الموارد البشرية وجعلها قادرة على ذلك. وتلك هي المعادلة الصحيحة التي قادت الدول الصناعية إلى مكانتها المتقدمة بين الدول. بل إن أدبيات الاقتصاد الجديد قسمت عنصر الموارد البشرية، فأوجدت تلك الفئة القائدة من المجتمع التي تستطيع أن تحدث نقلة نوعية في أداء ومشاركة هذا العنصر البشري في تفعيل قدرة الاقتصاد على الإنتاج. ذلك هو الإنسان الذي يمثل غاية التنمية ووسيلتها. * رئيس دار الدراسات الاقتصادية ــ الرياض.