اختار (الحراك السياسي) الذي ينشط في جنوب اليمن اللحظة الحرجة التي تمر بها البلاد هذه الأيام والناتجة عن الانكسارات المدوية التي تعرضت لها مؤسسات الدولة وانهيار الجيش وذوبانه أمام الحوثيين لتحريك الشارع الجنوبي وقيادة موجة شعبية للمطالبة بالانفصال وفك الارتباط مع الشطر الشمالي واستعادة الدولة الجنوبية التي كانت قائمة قبل اندماج شطري اليمن في كيان واحد عام1990م. وقد يكون مثل هذا التحرك مشروعاً من وجهة نظر معينة وغير مشروع من وجهة نظر أخرى لكن مالا ينبغي أن يطول النقاش حوله هو أن فرض الانفصال في هذا التوقيت الذي تظهر فيه البلاد مكشوفة في كل جنبة من جنباتها وكل مفصل من مفاصلها أمام تنظيم القاعدة الذي يتمدد في الجنوب والوسط وكذا سيطرة بعض المليشيات المسلحة على أجزاء واسعة في الشمال ستكون نتائجه كارثية وعواقبه مدمرة على اليمن شمالاً وجنوباً على المدى القريب والبعيد. وإذا ما كان التيار الانفصالي قد وجد في الانهيار الحاصل والهزات الأخيرة التي شهدها اليمن الفرصة التي تمكنه من تحقيق أهدافه في إعادة تفكيك اليمن من جديد فإنه الذي لم يضع في حسبانه أن تشظي اليمن في ظل الواقع الراهن لن يخدم سوى القوى الفاعلة على الأرض والمتمثلة الآن في تنظيم القاعدة والمليشيات الأخرى والتي تبدو اليوم أكثر تنظيماً وتماسكاً من كل القوى الأخرى التي تتجاذبها الانقسامات والصراعات بين مكوناتها أكان ذلك في الشمال أو الجنوب وبالتالي فإن أي تآمر على الوحدة اليمنية لن يفضي إلى انفصال ناعم على غرار النموذج السوداني أو على طريقة انقسام تشيكوسلوفاكيا بل سيكون قاتماً وعنيفاً بما قد يؤدي إلى تمزيق اليمن إلى عدة دويلات قزمية يسهل ابتلاعها من جماعات التطرف والإرهاب التي ستجد في هذه البيئة الهشة مايوفر لها التحرك دون رادع يردعها وتجريدها. ليس جديداً القول ان الخرق في اليمن يتسع يوماً بعد يوم وان القوى الفاعلة والمؤثرة في هذا البلد قد أعمتها الانتهازية إلى درجة صارت فيها لاترى مايحصل على أرض الواقع من تطورات وأحداث وما يتهدد البلاد من المخاطر بفعل مواقفها المتخاذلة تجاه تلك الأطراف التي عمدت إلى فرض نفوذها وأجندتها ومشاريعها الصغيرة على حساب المشروع الوطني الكبير حيث وان التأمر على الوحدة لم يتوقف ان لم يكن قد أخذ طابعاً ممنهجاً منذ عام 2007 م فقد انقسمت النخب الجنوبية إلى فريقين فريق يرى ان مشروع الوحدة قد فشل في تكريس القواسم المشتركة بين أبناء المجتمع وتحقيق تطلعاتهم فيما يرى الفريق الآخر أن الظروف الاقتصادية الصعبة قد عكست نفسها على كافة المستوبات مما ضاعف من حدة الاحتقان الداخلي وإعادة إنتاج صراع النموذجين العائمين في فراغ الديماغوجية السياسية وتلك محصلة طبيعية لحالة الإخفاق في استكمال بناء منظومة الدولة وكذا الإفراط في الأنانية السياسية وما صاحبها من نرجسية عمياء وصراعات على السلطة والتي عادة ما كانت تنتهي بالانصراف عن المشتركات الوطنية. مما لاشك فيه أن حقيقة الأزمة اليمنية تكمن اليوم في عدم اقتناع بعض الأطراف بالحل الجامع الذي لا يضر باليمن كوطن واحد وموحد لذا نجد كل طرف من هذه الأطراف يسعى إلى فرض أجندته على الآخر على الرغم من كل التوافقات التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني والحلول التي جرى تبنيها للقضايا العالقة وفي المقدمة منها (القضية الجنوبية) ومع ذلك فإن خروج الصراع اليمني عن دائرة القدرة الإقليمية والدولية على احتوائه والتحكم بتطوراته قد أفسح الباب لبعض الأطراف الخارجية لخلط الأوراق في اليمن وهي لعبة ليست بعيدة عن الرغبة في الهيمنة على هذا البلد الذي يعيش اليوم أوضاعاً قسرية تصبح فيها كل الخيارات ممكنة بما في ذلك خيار العودة به إلى عصر ماقبل الدولة.