في تونس.. سقط حزب النهضة الإخواني المتأسلم لمصلحة حزب (نداء تونس) الوطني الحداثي؛ فهل سيعمد جماعة الإخوان إلى ما فعلوا في مصر، حين اعتبروا كل من يقف ضدهم يقف ضد الإسلام كدين كما كانت تقول أدبياتهم وشعاراتهم؟ سقوط النهضة كان متوقعاً، بعد أن جرب التونسيون هؤلاء المتأسلمين، واكتشفوا أن ليس ثمة إلا الوعود، أما الإنجازات فهم أبعد عنها من بعدهم عن الصدق والأمانة والوفاء بالعهود كما هو ديدنهم. في مصر اعتبر الإخوان أن سقوطهم والملايين التي ملأت شوارع مصر وساحاتها تطالب برحيلهم كانت انقلاباً على الشرعية؛ فكيف سيبررون سقوطهم المريع في تونس (من 40 % في الانتخابات السابقة إلى 24 % في هذه الانتخابات).. فجماعة النهضة في تونس كانت بمنزلة ورقتهم الأخيرة، وها هي تسقط. بالنسبة لي - وكثيرون غيري - كان سقوطهم متوقعاً منذ البداية. فالسياسة ناهيك عن الاقتصاد لا يمكن أن تبحث عنها وعن نظرياتها وحلولها في الماضي واللعب على عواطف الجماهير وإغرائهم باستحضار الماضي التليد. فكما كنت أقول وأكرر: عقارب الساعة لا تتجه إلى الوراء إلا إذا أدرتها بأصبعيك.. وجماعة الإخوان لا يجيدون إلا الكذب والوعود، وعندما تأتي ساعة العمل فليس ثمة إلا الفشل والإفلاس والتعثر والارتباك. تونس خلال حكم الإخوان وصلت إلى مرحلة كادت تلامس الإفلاس اقتصادياً، وظهرت على السطح وازدهرت الحركات التكفيرية الإرهابية، ليس لتصادر الأمن وتنشر الخوف والرعب بين التونسيين فحسب وإنما لتنسف أهم مداخيل تونس الاقتصادية، وهو دخل القطاع السياحي. فالسياح الغربيون عماد هذا القطاع لم يعد يفكرون في زيارة تونس والاستجمام في منتجعاتها السياحية والتكفيريون يتربصون بهم. أما القول بأن جماعة الإخوان جماعة وسطية وما عداهم جماعة متطرفة فقول يدحضه الواقع التونسي عندما تسنّمت النهضة حكم تونس. يكفي أن تعرف أن أغلب العرب المقاتلين مع (داعش) جاؤوا من تونس بالذات.. فمن الذي دفعهم إلى ذلك؟ ميزة تونس أنها الدولة المدنية الوحيدة في المنطقة العربية، والإنسان المدني المتحضر يؤمن بالتجربة، فهي في معاييره خير برهان للقبول أو الرفض. في الانتخابات الماضية صَدّقَ أغلبية التونسيين حزب النهضة ووعوده وشعاراته التي كانت تتكئ على الهوية الإسلامية، غير أن البحر يكذب الغطاس كما يقولون؛ وما إن دخل النهضويون إلى معترك الحياة السياسية واستلموا قيادة دفة السفينة حتى لعبت بهم الأمواج العاتية، إلى درجة شعر فيها ركابها بأنهم سيغرقون لا محالة، وأن الربيع العربي الذي كانوا يعولون عليه وثاروا ليشدوا رحالهم إليه انقلب إلى جدب وصحراء قاحلة، يحفها الظمأ والسراب من كل جانب. التنمية الاقتصادية هي الحل شاء من شاء، وأبى من أبى، والاقتصاد، ناهيك عن الحداثة، فضلاً عن التقدم والتحضر، لا يمكن أن تستوردها من الماضي السحيق، وإنما من روح العصر وتجارب الأمم المتفوقة لا الأمم البائدة. هذه حقيقة ربما تغضب (الرغبويين) والمشدودين إلى ماضيهم الذي يقولون إنه كان تليداً، لكنها الحقيقة، وتقبُّل الحقيقة في بعض الأحايين أمر من العلقم. تونس خلعت الإخوان، وراهنت على الوطنيين المتحضرين وعلى المستقبل. (حركة نداء تونس) التي نالت الأغلبية في الانتخابات الأخيرة في تونس هي حركة سياسية (عصرية)، وأجندتها السياسية تزاوج بين ضرورات العصر وطرق حلوله والحداثة بمعناها الواسع مع إبقاء الهوية الإسلامية والعربية كهوية وطنية. هذه المعادلة هي ما راهن عليه (الندائيون التونسيون)، ولم يبق عليهم إلا الانتقال من النظرية إلى التطبيق، ونجاحهم سيواري أمل جماعة الإخوان الأخير بالتراب. إلى اللقاء