مصر مستهدفة، كأي دولة عربية مركزية، للإخلال بأمنها كمطلب لمن يواجهوننا بوجهين، صديق في الشكل، وعدو في الفعل، وليس بالضرورة أن تأتي المواجهة من العدو المستتر، وإنما استخدام أدوات عربية تتيح له تحريكها وتوجيهها لأهدافه.. الرئيس عبدالفتاح السيسي اتهم دولاً خارجية في حادث الإرهاب في (الشيخ زويد)، وبصرف النظر عمن يكون الداعم والفاعل، فقد وضعتها غزة وليبيا، والسودان، في معركة وجود، وإن كان السودان بدأ ينسى من مقايضة الدول العربية بعلاقاته مع إيران بإعطائها مواقع استراتيجية اعتقاداً منه تخويف تلك الدول واللعب على حبال الخلافات لكسب إيجابيات سياسية ومادية، بينما ليبيا تعيش حالة فوضى عارمة جعلتها أكبر مستودع للسلاح المنفلت، ومركزاً لتدريب عصابات الإرهاب، وهذه الوقائع أدخلت مصر في مواجهات ساخنة حاولت جهات خارجية إدخالها عواصف المنطقة والتأثير على أمنها الداخلي وخاصة في منطقة صحراوية مفتوحة يصعب السيطرة على فضائها إلا باستراتيجية مشتركة عسكرية وأمنية تعدها الدولة، وخاصة في غياب ضبط الأمن في الحدود المجاورة لها من قبل سلطاتها وحكوماتها.. وإذا كان هناك من يشير إلى غزة، ولو من طرف خفي بضلوع عناصر في أحداث سيناء، فالواقع يشير إلى أن هناك تخبطات حدثت، سواء ما جرى بعد إزاحة نظام الإخوان المتحالف مع حماس، أو التدمير الأخير الذي حول غزة إلى ما قبل بناء المدن العالمية بسبب تصرف يفترض معرفة رد فعل العدو المسلح سياسياً بدعم خارجي من قوى عظمى، أو عسكرياً لا يحاسب على أي فعل تقوم به إسرائيل، لكن الوضع مع مصر يجب أن يرقى إلى قيمة الأمن الذي تحتاجه غزة قبل مصر، خاصة وأن ممراتها معها هي المنافذ التي تغطي احتياجات غزة، وكذلك طبيعة العلاقة التي يجب ألا تتحول إلى أزمة أمنية وسياسية تستدعي اتخاذ إجراءات صارمة لا تخدم الشعب هناك.. المنطقة العربية ميدان رماية بين خصوم مفترضين في الخارج، يغذون حالات الأمن المنفلت، وهي صيغة متعارف عليها في صراعات المنطقة وإبقائها في فم البارود، حتى إن محاولات خلق أزمات عسكرية وسياسية تجذب الدول المستقرة لا تزال في المعمل السياسي الذي يحلل ويريد أن تشمل الفوضى كل دولة في المنطقة، والحذر هنا يجب أن نراه من خلال رصد ما تنشره وسائل الإعلام وتبنىي استراتيجيات مراكز التحليل السياسي والأمني، ونقدر مستوى الأضرار ليس على مصر فقط، وإنما على دول الخليج العربي والمغرب ودول أخرى لازلنا نعرف كيف تحاول تلك الجهات صوغ نظريات الانفلات الأمني فيها، وحتى ما تروّجه لمكافحة الإرهاب لا يعطي مدلولاً صحيحاً يمكن القناعة به، أو خطورته على أمنها، وهي من أعدّ سيناريوهات للمنطقة منذ السبعينيات في القرن الماضي، سواء ما تروجه حملة الإعلام ومراكز الدراسات، أو ما كان يعلنه كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية السابق، أو المدلولات والشعارات التي تطلقها تلك الدوائر عن الحرب الوقائية، والفوضى الخلاقة، والحرب بالنيابة، والتي نستهلكها بغباء وبأنها مجرد وسائل ضغط وتخويف، بينما الحقائق على الأرض تؤكد مستوى التنفيذ واختيار الوقت والدولة لتلك الإعلانات التي دخلت دور الفعل الحقيقي.. لا نريد إشعال حرب مع تلك القوى، ولكن فهم طبيعة سياساتها تجاه المنطقة ومبررات هذا السلوك، ونسيان ما يسمى بالمصالح المشتركة والصداقات النوعية، والتي كشفت الأحداث عن زيفها وبطلانها تبعاً للوقائع الجارية، والقادمة..