ما إن تتحدث في المجالس ومواقع التواصل الاجتماعي عن رفع نسبة الصناعات في المملكة، وخفض الواردات، إلا ويأتيك الاستنكار سريعاً: «كيف سننافس الصين بعمالتها الرخيصة جداً»؟!! هل الكل يبحث دائماً عن الأرخص؟ كم نسبة السيارات الرخيصة جداً من مجموع السيارات في المملكة؟ هل الكل يشتري المكيف الأرخص أم أننا نبحث عن الجودة والأفضل؟ وكذلك المعدات وغيرها!! ألا نعلم أن أكبر مورّد لنا هو الولايات المتحدة بـ 79 مليار ريال سنوياً، وهذا يمثل 14 % من وارداتنا، وألمانيا واليابان (ثالث ورابع أكبر مورّد) بـ 41 مليار ريال و39 مليار ريال بالترتيب (أي بنسبة 7 % لكل منهما من إجمالي واردات المملكة). وأيضاً نستورد من فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة ما مجموعة 51 مليار ريال، وهذا يمثل 9 % من وارداتنا. ومجموع وارداتنا من هذه الدول الست نحو 210 مليارات ريال سنوياً، أي 36 %، وغالبية هذه الواردات صناعات متوسطة ومتقدمة، ولا تصنع بأيدي عاملة رخيصة، وقد استغنت كثير من الدول الأخرى عنها بصناعات محلية كأستراليا وماليزيا وتركيا وإيران، وغيرها الكثير. هل أجور الأيدي العاملة في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة رخيصة؟ وكيف استطاعت ماليزيا وتركيا وتايلند وغيرها تصنيع السلع التي نستوردها من الولايات المتحدة وألمانيا والبقية؟ ليس كل ما نستورده يصنّع بأيدي عمالة رخيصة؛ فنحن نستورد (الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية) بقيمة 154 مليار ريال، ونستورد (معدات النقل بما فيها السيارات) بقيمة 104 مليارات ريال، وليس كل هذه الصناعات تتطلب تقنيات عالية ويتعذر تصنيعها إلا في دولها. يبدو أن ثقافة الاستيراد أصبحت جزءاً من حضارتنا، فنحن استوردنا بـ 628 مليار ريال في عام 2013م، و583 مليار ريال في عام 2012، وكانت أعلى من 2011 بـ 18 %، ووارداتنا تتزايد بمتوسط معدل نمو سنوي 15 % خلال السنوات العشر الماضية. استوردنا من 163 دولة، حتى أنه يوجد بينها دول لم نسمع عنها من قبل، مثل (لاوس، منغوليا، مكاو، بيلاروس، ميكرونيزيا، ليسوتو، سوازى لاند، ناميبيا، موريشيوس، غيانا، سورينام، ليختشتاين، سان مارينو، مولدافيا، لتوانيا، لاتفيا، استونيا، سانت فينست وفنواتو). هناك استراتيجيات أساسية لنجاح الصناعات في بلدنا؛ يجب أن نتبعها إذا ما أردنا أن نستفيد من «عمل» المواطن، والقضاء على البطالة، أوجزها - برأيي الشخصي - كما يأتي: o لا يمكن لأي صناعات أن تقوم ما لم يكن هناك استثمار حقيقي في مراكز البحوث والتطوير. o بداية الصناعات الحقيقية تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة، ولن يكون هناك مردود مالي مرتفع وسريع؛ ولذلك يجب أن تتبنى الدولة مصانع (مثل سابك) للأجهزة والمعدات وغيرها، ويطرح بعض أسهمها للمواطنين، ومنها أسهم عينية لكل من يعمل بها؛ لكي ينعكس على الإنتاجية وروح الملكية. التجار والشركات يهدفون فقط إلى الربحية وليس للأهداف الأخرى؛ فلا أرى لهم دوراً ناجحاً في القضاء على البطالة وإنتاجية المواطن وزيادة دخله. o يجب أن تكون نسبة السعودة أكثر من 80 %، ونأتي بالعمالة الأجنبية التي نحتاج لخبراتها وتقنياتها، وأيضاً العمالة الأجنبية الرخيصة في الأعمال المتدنية، كالنظافة والخدمات المشابهة. o لكي يجدي دفع رواتب مجزية للموظفين السعوديين علينا رفع إنتاجية الموظف باستخدام التكنولوجيات والتقنيات، والتصنيع بكميات ضخمة (mass production)، وبذلك يجب ألا نهدف فقط للاستهلاك المحلي بل حتى للتصدير. o يجب أن تكون الصناعات متكاملة، وليس استيراد بعض أجزاء المنتج. o البدء بالشراكة مع الشركات العالمية (بنسب قليلة لهم)، والمنتهية بالتمليك الكامل للمملكة. o بناء مراكز بحوث وتطوير صناعية وتفعيلها بشكل متكامل للتحول في المستقبل القريب إلى صناعات سعودية، بأيدي وعقول سعودية. o أخيراً، الاستثمار المستمر في تطوير وتدريب الكوادر البشرية؛ فهم أفضل استثمار مستدام. - م. برجس حمود البرجس