ماذا يعني قبول لبنان «هدية» عينية من طهران، مقدّمة إلى قواته المسلّحة، هي عبارة عن هبة إيرانية للجيش اللبناني تتضمن دعمه بالسلاح والعتاد؟ وهل تعتبر هذه الهدية خرقاً للقانون الدولي الذي يحظّر على إيران تصدير سلاحها إلى الخارج ويعرّضعها لعقوبات دولية إذا أقدمت على خطوة موازية، أم إن الهدية - غير المدفوعة الثمن - لا تندرج في لائحة العقوبات الدولية المفروضة على إيران؟ وما هو مراد طهران من تسليح الجيش اللبناني، هل هو ما يعلنه قياديوها أن همّهم يتركّز على مكافحة إرهاب «داعش» بيد قوى إقليمية بعيداً من مجموعة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، أم إن وراء الأكمة ما لم يتضح بعد ويبرز جلياً للعيان؟ وهل يتناقض تصريح وزير الداخلية اللبناني، نهاد مشنوق، والمحسوب على تيار 14 آذار، من أن اللبنانيين يرفضون أن يتحولوا إلى قوة «صحوات» مع هذه العطية الإيرانية، أم إن ما يقال في الإعلام يخفي واقعاً سياسياً مختلفاً تماماً عن المُصرّح به؟ وهل الهدف غير المعلن لإيران من هذه الهبة تحويل الجيش اللبناني، بالفعل لا القول، إلى قوات مؤدلجة مهمتها تنحصر في قتال المتطرفين الذين تعرّفهم إيران «الواهبة»؟ وهل ستغمض الولايات المتحدة العين عن هذه الهدية باعتبار الإدارة الأميركية تحاول انتهاج خط مشابه من خلال التسليح المتأخر والانتقائي للمعارضة السورية في محاولة لتحويلها إلى صحوات جديدة مختصّة بقتال «داعش» حصراً، مؤجّلة ما خرجت له أصلاً من إسقاط نظام الأسد؟ سارع نائب الأمين العام لـ «حزب الله»، نعيم قاسم، إلى الترحيب بتسليح إيران الجيشَ اللبناني، بلا شروط مسبقة، مؤكداً أن الحزب يؤيد التسليح من كل دول العالم، باستثناء إسرائيل، وذلك من أجل محاربة تفشّي القوى التكفيرية في المنطقة ومنعها من اجتياز الحدود إلى لبنان. وقال قاسم موجّهاً خطابه إلى قوى 14 آذار: «ندعوكم إلى هذا القاسم المشترك مع الجيش، تعالوا نظهر هذا الموقف معاً، وننبذ الإرهاب التكفيري الذي لا يريد إلا الخراب للبنان فلا تسهّلوا له، وتبرّروا مواقفه». أما الردّ الرسمي الحكومي فجاء على شكل زيارة قام بها وزير الدفاع اللبناني إلى نظيره الإيراني من أجل بحث تفاصيل هبة حكومة طهران المباغتة لجيش بلاده والاتفاق على الخطوات الإجرائية والقانونية اللازمة لتنفيذها في الطرف اللبناني. من نافل القول إن تجهيز الجيش اللبناني بالسلاح والعتاد الإيراني، والذي سيحتاج حكماً إلى تدريب عناصره على يد خبراء عسكريين إيرانيين، سيكون أول مبضع في العملية الجراحية التي تستهدف استئصال عقيدة الجيش اللبناني التي نشأ عليها منذ سبعين عاماً، وزرع بذرة الصحوات في أحشائه. والصحوات بدعة عسكرية هي من ابتكار الجنرال الأميركي ديفيد بترايوس في العراق، جنّد من خلالها قوات مقاتلة بلغ عدادها 100 ألف رجل في 2008، معظمها من العشائر السنّية، ساعدت الجيش الأميركي في حينها في شكل كبير في إتمام السيطرة على المناطق السنّية كافة، ثم انقلب عليها الأميركيون حال أنجزت مهمّتها. من جانب آخر، فإن توقيت هذه الهبة يشوبه الكثير من الأسئلة والتكهنات. فعوضاً عن أن تطلب إيران من حليفها «حزب الله» الذي تمدّه بالسلاح الحديث والهجومي منذ عشرات من السنوات، أن يفتح ترسانته للقوات المسلحة اللبنانية النظامية وينضم بسلاحه وعديده في شكل نهائي إلى صفوف الجيش الوطني، فإن طهران، وحين استشعرت التهديد الذي بدأ يطاول قوات «حزب الله»، على أرضه هذ المرة، إضافة إلى مواقع قتاله في سورية، قررت أن تقوم بضربة استباقية لحماية الحزب من خلال ادعاء حرصها على تقوية الجيش اللبناني. وهذا بينما، في باطن الأمر، كان هدفها تحويله قوة ضاربة باسمها كبديل عن التحالف الغربي في مقاومة الإرهاب «الداعشي» الذي يهدّد أول ما يهدّد وجود «حزب الله» نفسه وأمن راعيته ومرجعيته الروحية والسياسية: إيران. لم يتّضح الموقف الأميركي بعد من هدية إيران المسلّحة للبنان، فحكومة طهران ما زالت على قائمة العقوبات الدولية التي فرضها مجلس الأمن في قرارات أممية عدة تعتبر إرسال طهران أي أسلحة إلى دولة ثالثة انتهاكاً مباشراً لقراره. إلا أنّ الولايات المتحدة سبق لها أن غضّت الطرف عن صفقة للأسلحة، بين حكومة المالكي في بغداد وطهران، لبيع أسلحة وذخائر قيمتها 195 مليون دولار من أجل تمكين المالكي في السلطة قبل أن ينتزع المجتمع الدولي الغطاء عنه ويغيب عنوة عن دائرة الضوء السياسية. وبين الالتواء العقائدي الإيراني، وفوضى تلاطم المواقف والقرارات السياسية الرسمية في لبنان، يأتي موقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ليحمل مزيداً من الصدمات الكهربائية للمواطن اللبناني المغلوب على أمره. ففي ردّه على خطاب وزير الداخلية نهاد المشنوق، قال جنبلاط مخاطباً عشائر العرب في عرمون: «لن أدخل في سجال مع صديقي نهاد المشنوق، نعم لا نريد صحوات، ولكن آن الأوان لتكون هناك «صحوات فكرية» لتحصين الجيش ولنخرج بلبنان من السجال العقيم». فهل صحوات جنبلاط بإمكانها أن تجيب عن بعض الأسئلة المستحيلة التي تقدّمت هذا المقال أم إن أزيز الرصاص أصبح أمضى من لمعان العقل، وإلى الأبد؟!