منذ أن بدأ انفجار التقنية، وبدأ تفرع التطبيقات، وانتثرت على الأكف أصناف الأساليب للمراسلة وتداول الحكايات، والمعنى الذي تبثه ليس «تواصليا» على الطريقة التي سميت بها تلك الأدوات، بل هي إلى «التفاصل» أقرب، ما يطرح في هذه التطبيقات خصصت له فقرات من البرامج التلفزيونية، وتعتمد عليه المؤسسات لقياس الرأي العام، وتحفر فيه الأبحاث للعثور على توجه مجتمع، أو تأثره، أو رؤيته للأحداث الجارية من حوله. «تويتر» ــ على سبيل المثال ــ بوصفه أكبر موقع تطرح فيه القضايا والإشكاليات لم يعد موقعا تواصليا بالمعنى العميق للكلمة، بل نرى فيه التنافي، والتنابز، والتفاصل بين الناس، ولا تمر ساعة أو أقل إلا وتقرأ شتيمة أو كلمة نابية على هذا الحساب أو ذاك. في البيوت أثرت هذه المواقع على التواصل العائلي، إذ لم تعد المائدة شاملة لكل العائلة، وأصبح التواصل بين الأفراد يتم عبر «الواتس آب» حتى في الجلسة العائلية العامة، أو الوليمة والمناسبة، أو جلسة الجمعة. كل ذلك لأننا لم نحسن فعليا أسلوب تعاملنا مع هذه الوسائل، وجعلنا منها غاياتٍ تقضى فيه الساعات الطوال من دون طائل! إنني مقتنع بأن كل فتوحات التقنية هي اختراعات عظيمة من عقول نيرة استطاعت أن تفك مغاليق المعضلات، بيد أن النقاش حول أسلوب تعاملنا وتعاطينا معها. هناك حالة من ابتذال كل القضايا وكل المسائل الدقيقة في هذه المواقع، وهناك تقافز على المعارك والمواجهات والمنازلات، حتى صرنا في حالة عصاب جماعي اجتماعي، وفي حال تحفز من هذا الانقضاض أو تلك الوثبة من هذا الخصم أو ذاك. لقد حولت بعض أساليب تعاملنا مواقع التواصل إلى مواقع «تفاصل» بكل ما للكلمة من معنى كارثي مدمر.