كنت قد كتبت مقالاً بعنوان "نبي ناخذ راحتنا" نشر فـي السادس من شهر سبتمبر لهذا العام، يحاكي المقال دور الأب الفاعل في حياة أبنائه ومسؤوليته تجاههم. كان المحفز الذي دفعني لكتابة المقال هو توجيه إرشادي لوكالة التنمية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية بعنوان: (لا تجعل أبناءك يحتاجون غيرك)، وهو نداء مباشر لجميع الآباء والأمهات بضرورة الاهتمام والحرص على أبنائهم، لكن... عندما تنقلب الأدوار ويصبح الابن رجلا، ويكون الرجل هرما، ما عسانا فاعلون بــ(والدينا)؟. ما هو دور الأبناء عندما يحين ذلك الوقت ويصبح الوالدان في أمس الحاجة لأبنائهم دون غيرهم، حتى وإن توفرت جميع وسائل الراحة الخدمية والنفسية من مال ومسكن وملبس، دون لمسة حنان أو لقمة طعام أعدت وأطعمت في أفواههم من أيدي أبنائهم، فهي لا تساوي في أعينهم شيئاً، كل ما يحتاجون إليه أن نكون دوماً بقربهم.. ليس السائق أو الخادمة بل نحن (الأبناء) فقط. وما أجملها من مجالسة يتبادل فيها الحديث والحكايات مع كبار السن كالأجداد والجدات -إن أحسنا إدارة الحوار وانتقاء الكلمات والمفردات المناسبة- فهم (مرهفو الحس) خصوصاً معنا لأننا بكل بساطة (فلذة أكبادهم). كان الحديث مع كبار السن في الماضي يتوجب الحذر الشديد..! لأن التلفظ بجملة أو كلمة في غير موضعها سوف تجابه برد عنيف، اما بما تصل إليه أيديهم أو بــ(كلمة خنجرية) تحوي في ثناياها الدروس والعبر ستظل تحملها في ذاكرتك لسنوات عديدة، في الوقت نفسه.. كثيراً ما كانت علامات التعجب تحيط أصدقاء الطفولة بمدى جرأتي بفتح الحوار (السوالف) مع كبار السن وكان استفسارهم دوماً، «كيف تفهم لهم؟ وكيف يفهمون لك وأنت في عمر أحفادهم؟». كانت جدتي (عامرية) -رحمة الله عليها- تفرح فرحاً شديداً عند زيارتي لها وكانت مع كبر سنها وثقل حركتها لا تتردد في أن تتحامل على نفسها وتعد عشائي المفضل، بل كانت تتمتع بذلك، كل هذا من أجل جملة كنت أرددها: "نفسي آكل شيء من يدك"، مع العلم أنني أعرف طريقة الإعداد وأنا من يعد ويحضر العشاء. إن التعامل مع كبار السن يوجب علينا تعلم الكثير من المهارات لتكسبنا رضاهم والتقرب إليهم، كما يجب علينا توخى الحذر من مشاركتهم في مشاكلنا الشخصية أو استحضار قصص من الماضي الحزين كـ(وفاة عزيز أو فقدان قريب). إن إحساس بعض الأبناء بوجود عائق في التواصل وصعوبة في التعامل مع آبائهم وأمهاتهم -خصوصاً عندما يتقدم بهم السن- هو بسبب عدم التوفيق في اختيار «المفاتيح المناسبة» -إذا جاز التعبير- للدخول إلى قلوبهم والاستحواذ على عواطفهم وفهم رغباتهم ومشاعرهم. لدى كبار السن مخزون هائل من التجارب والخبرات والمغامرات، فتراهم باستمرار يوجهون ويأمرون ويحثون أبناءهم وأحفادهم للحصول على أفضل النتائج لتجنب الأخطار والمشاكل المحتملة التي قد سبق وخاضوها بأنفسهم ودفعوا نتائجها سلفاً. في الختام، يجب علينا الرجوع إلى الوراء.. إلى الماضي الذي لم نعشه لكي نغمر أفئدة آبائنا وأمهاتنا بالسعادة بالفرح ونجعل حاضرهم كماضيهم.