لليوم الثالث على التوالي، طغت المواجهات في القدس المحتلة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي على أجندة الحلبتين السياسية والإعلامية. وفيما تشدق سدنة المستوى السياسي بقدرات الشرطة على «استعادة الهدوء» إلى القدس، حذر معلقون بارزون من أن استمرار استفزازات اليمين والمستوطنين في المسجد الأقصى المبارك «سيوحد كل الفصائل الفلسطينية» ويشعل انتفاضة جديدة أوسع نطاقاً. وأفادت الإذاعة العامة أمس بأنه مع انتهاء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، وقعت في منطقة وادي الجوز مواجهات بين شبان فلسطينيين وشرطة الاحتلال التي اعتقلت ثلاثة فلسطينيين، بينهم قاصر، ادعت أنهم رشقوا أفرادها بالمفرقعات النارية والحجارة. وكانت الشرطة منعت المسلمين ممن هم تحت سن الأربعين من دخول المسجد الأقصى بداعي أن لديها معلومات استخباراتية عن نية شبان الإخلال بالنظام العام. اجراءات متشددة وكانت الشرطة أعلنت حال تأهب قصوى في صفوفها، وحشدت الآلاف من عناصرها استقدمتهم من الألوية المختلفة، بينهم عناصر «حرس الحدود» و»القوات الخاصة»، ونشرتهم في محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة وعلى مشارف الأحياء الفلسطينية، في ظل تعليمات القائد العام للشرطة يوحنان دنينو بالتعاطي مع الفلسطينيين «المخلين بالنظام العام» بقبضة متشددة. ويبدو أن الشرطة كانت وراء قرار محكمة إسرائيلية أمس بإرجاء تشييع الشاب الفلسطيني عبد الرحمن الشلودي إلى مساء اليوم بحضور 80 مشيعاً فقط، متفادية بذلك توزيع عناصرها بين محيط المسجد وموقع الجنازة. وضمن التعليمات للشرطة بتشديد قبضتها ضد الفلسطينيين في القدس، يدرس المستشارون القضائيون فيها مع النيابة العامة والمستشار القضائي للحكومة، تعديل «قانون العقوبات» الذي يحول دون تحميل من هو دون سن الرابعة عشرة المسؤولية القانونية عن أفعال جنائية. وتدعي الشرطة أن بين راشقي الحجارة يومياً العشرات من الفتية دون هذا السن، وأنها لا تستطيع اعتقالهم. ويقترح المستشارون أن يقضي تعديل القانون بتحميل المسؤولية القانونية على أعمال قاصرين حتى سن 14 عاماً، على ذويهم وفرض غرامات بمبالغ كبيرة أو حتى السجن الفعلي لآباء اطفال تم توقيفهم بتهمة رشق الحجارة. وكانت تقارير صحافية كشفت أنه منذ خطف الشاب المقدسي محمد أبو خضير وحرقه حياً، اعتقلت شرطة الاحتلال في القدس أكثر من 700 فلسطيني، منهم 260 قاصراً، وسط توقعات بأن يكون هذا العدد اليوم أكبر بكثير. كما تقضي خطة الشرطة بتكثيف عناصرها في مواقع التماس بين الأحياء العربية والأحياء الاستيطانية اليهودية، فضلاً عن زيادة عدد المستعربين وعملاء المخابرات في أنحاء القدس المحتلة. وتعتزم أيضاً الاستعانة بطائرات من دون طيار فوق شعفاط وبيت حنينا وبالونات للتصوير والمراقبة. وأفادت مصادر صحافية بأن قيادة الشرطة أقنعت رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو بأن استخدام كل هذه الوسائل سيحقق الهدوء الذي طالب به. وبينما يصر نتانياهو ووزراؤه على اعتبار الأحداث في القدس «جنائية» أو «تطرفاً قومياً»، وأن قوات الأمن «ستعرف كيف تشدد القبضة ضد مثيري الشغب وستستعيد الهدوء في القدس بكل تأكيد»، يحذر معلقون بارزون من اتساع رقعتها في حال لم تقم الحكومة بعدد من الخطوات لإطفاء الفتيل، على رأسها وقف استفزازات المستوطنين واليمين المتشدد في المسجد الأقصى المبارك، مذكّرين بأن الانتفاضة الثانية اندلعت عام 2000 مع الزيارة الاستفزازية التي قام بها زعيم المعارضة في حينه آريئل شارون للمسجد. وكتبت صحيفة «هآرتس» أن استعادة الهدوء لن تتم من خلال اللجوء إلى مزيد من القوة والقمع، وأشارت إلى أن العنف في القدس لم يولد من فراغ إنما جذوره عميقة في مشاعر اليأس والخوف لدى السكان الفلسطينيين في المدينة، وعليه لن يتوقف بمجرد التصميم الذي يبديه رئيس الحكومة». وتابعت أن انهيار العملية السياسية، ثم الدعوات المتواصلة من عناصر اليمين إلى تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف، تنضم إلى الإهمال المتعمد للأحياء الفلسطينية في المدينة، في وقت تشجع الحكومة المستوطنين على الاستيطان في قلب هذه الأحياء. وأردفت أن «كل ذلك يشكل المستنقع الذي ينمو فيه العنف والإرهاب». ودعت الحكومة إلى «طرح أفق سياسي يتم في إطاره تناول مكانة مدينة القدس، وهي إحدى أهم المسائل الجوهرية في الصراع». ولفت المعلق العسكري في الصحيفة عاموس هارئيل إلى حقيقة أن الدعوات الى تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى والسماح لليهود بالصلاة، لم تعد حصراً على أشد المتطرفين «في هامش اليمين»، إنما تصدر عن نواب ووزراء في «ليكود» و»البيت اليهودي». وأشار إلى عزم لجنة الداخلية البرلمانية مناقشة موضوع «جبل الهيكل (المسجد الأقصى)» في الكنيست الإثنين المقبل بحضور ممثلي الجمعيات الاستيطانية المتطرفة. وحذر من أن عقد هذه الجلسة سيفاقم الوضع في القدس. ورأى المعلق أن «الانتفاضة المحلية» حاصلة منذ ثلاثة أشهر في القدس، «إذ أصبح رشق قوات الشرطة وسيارات إسرائيلية بالحجارة والمفرقعات النارية والزجاجات الحارقة جزءاً من المشهد اليومي في القدس، وتزامن ذلك مع الاحتكاك المتجدد بين المستوطنين والشرطة من جهة، والفلسطينيين في المسجد الأقصى في الجهة الأخرى». ولفت إلى أن هذه الانتفاضة يقودها شباب لا يستخدمون السلاح، «فيما التنظيمات الفلسطينية قد تركب الموجة وتنضم إليهم لأن الاعتداء على المسجد الأقصى يوحد كل التنظيمات». خطط استيطانية جديدة في غضون ذلك، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن لجنة التخطيط والبناء في البلدية الإسرائيلية للقدس تعتزم الثلثاء المقبل بحث بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في الحي الاستيطاني «رمات شلومو» في القدس المحتلة، وهو مشروع بناء مجمد منذ أكثر من أربع سنوات تحت ضغط أميركي. وتطالب اللجنة الإقليمية للتخطيط والبناء بالسماح بإصدار تصاريح بناء ونشر مناقصات جديدة.