بقلم : أ. د. صالح الرشيد يقولون إن البدايات تصنع النهايات، وكلما كانت البداية قوية ومؤثرة جاءت النهاية ايجابية وسعيدة. لا أعرف إن كنت محقاً في تصور أن السنة الأولى في الجامعة تتحمل جزءاً هاماً من المسؤولية في تشكيل شخصية واتجاهات وقيم خريج الجامعة، وأنها تتشارك المسؤولية مع سنوات طويلة سابقة للمرحلة الجامعية، وكلاهما يساهمان معاً في تشكيل واقع خريج جامعي يبعد كثيرا بمعارفه ومهاراته وسلوكياته عما يأمل منه مجتمعه، لكن في كل الأحوال تحدث الكثيرون عن نظام تعليمي فشل في صياغة فكر وشخصية الطالب منذ نعومة اظفاره ومنذ يومه الأول في الصف الأول، وتحدث الكثيرون عن مراحل تعليمية ينتقل فيها التلميذ أو الطالب من سيئ إلى أسوأ من سنة إلى أخرى ومن مرحلة إلى أخرى، حتى يصل سعادته إلى نقطة التخرج من الجامعة وهو لا يحمل أكثر من شهادة هي بالنسبة له الحلم العظيم. وإذا كانت الجامعات تعاني منتجا وصل إلى قاعاتها وهو يعاني عيوبا جوهرية، وتعاني مادة خاما دخلت مصنعها وهي مليئة بالشوائب والثقوب والضعف الشديد، فكيف تصنع الجامعة من الملح سكراً؟ ومن السم عسلاً؟!! عندما نوجه دفة الحديث والاهتمام للسنة الأولى في الجامعة فهي محاولة لإنقاذ ما يمكن انقاذه، أو بالأحرى محاولة لتنقية المادة الخام من شوائبها قبل أن تتحرك بين آلات التصنيع في الجامعة، والتي في الغالب بحاجة إلى (تشحيم وتزييت) وتلك قضية أخرى أو مأساة أخرى. نعود للسنة الأولى في الجامعة لنشبهها بالشهور الأولى في الحياة العسكرية، حيث ينتقلون بالمجند الجديد من حياة مدنية مرفهة إلى حياة عسكرية شاقة ومنضبطة، يتعمدون تعريضه لمواقف تشكل شخصيته وانضباطه، يجبرونه على التخلي عن سلوكيات تضر به وبمن حوله، يعلمونه قيمة الوقت وقيمة النشاط وقيمة الحركة وقيمة الالتزام بالأوامر وقيمة احترام الكبير. الفترة الأولى في الحياة العسكرية هي الأصعب نفسياً وجسدياً وذهنياً، ولكنها الفترة التي تصنع مشاريع الرجال. في السنة الأولى للجامعة أيضاً ينتقل الطالب من حياة إلى حياة ومن ثقافة إلى ثقافة ومن مجتمع إلى مجتمع ومن هدف إلى هدف. من المفترض أن تكون هي الأصعب في حياة طالب الجامعة، ليس بوضعه في معسكر، ولكن بوضعه تحت ضغوط العمل والمهام والتفكير والبحث والاطلاع، فطالب الجامعة وللأسف في كثير من الجامعات يريد الأشياء سهلة كما تعود في مراحل سابقة، ونتيجة لذلك عندما يكلف بإعداد أبحاث في سنوات الجامعة فهو يفضل أن يشتريها (معلبة) على أن يقوم بتصنيعها، مطلوب أن يتعلم ويتدرب في سنته الأولى على البحث والاطلاع وبذل الجهد في استكشاف الجديد. يأتي الطالب من الثانوية وقد تعود على طريقة ما في تعامله مع اساتذته وقد أكسبه المتساهلون منهم عادة البساطة وازالة التكليف في التعامل مع أساتذته، يدعمه في هذا عين مكسورة للأستاذ الذي ضحى بهيبته ومكانته وقيمته عندما ارتضى لنفسه، او اضطر مرغماً ان يدق على أبواب البيوت حاملاً حقيبته وبطاقته التي تشير الى عمله كمدرس خصوصي بعد الدوام. في الجامعة سيتعامل مع أساتذة وعلماء حتى وإن كان من بينهم متساهلون ومفرطون في قيمهم ومكانتهم، في السنة الأولى من المفترض أن يعلموه كيف يتعامل مع العلماء وكيف يوقرهم والأهم كيف ينتفع بعلمهم. حياة الجامعة ليست محاضرات ولا ينبغي بالطبع أن تكون كذلك، هي حياة بكل ما تحمله الكلمة من معان، تعليم وتدريب وأنشطة علمية وثقافية ورياضية، يخسر الطالب كثيراً عندما تنحصر حياته الجامعية بين قاعة الدراسة ومكاتب أساتذته، هي فرصته العظيمة لتشكيل شخصيته وأفكاره وممارسة هواياته، في السنة الأولى من المفترض أن يعلموا الطالب كيف يستمتع بحياته الجامعية، وبالطبع يجب أن يوفروا له هذه الحياة ومقوماتها قبل أن يعلموه كيفية الاستمتاع بها. طالب الجامعة للأسف الشديد لا يقرأ وما أثقل كلمة (المرجع) على لسانه وما أثقل من يرددها أمامه، وهو بالكاد يكتب وربما يرتكب فيها أخطاء لا يقع فيها تلميذ الصفوف الأولية، سيتحقق انجاز كبير عندما نعلمه في السنة الأولى قيمة أن يقرأ وقيمة أن يكتب، ونلزمه بكم كبير من القراءة والبحث والاطلاع والكتابة. طالب الجامعة عندما يكون بلا هدف فهذا يعني أنه بدأ يخطو أولى خطواته العملية نحو الفشل الذريع، سيكون مفيداً أن نعمله كيف يكون له أهداف واضحة ومحددة ترتبط بتخصص يمكن أن يصنع فيه أمجاده. كثيرة تلك السمات التي يمكن تشكيلها في شخصية الطالب في سنته الجامعية الأولى، ويعجز هذا المقال عن تناولها جميعاً ولكن اشارة هامة للسنة التحضيرية في جامعتنا، فهي تستطيع أن تساهم بقدر كبير في ذلك وقد تكون المسؤولية كاملة للسنة الأولى بعد التحضيرية، في كل الأحوال هناك عمل عظيم ومتنوع يجب أن يتم في سنة أولى جامعة. نقلا عن اليوم