يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلاّ ويُولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»، إننا عندما نتحدث عن التربية والتعليم فنحن نتحدث عن قيمنا وأخلاقنا وهويتنا وشخصيتنا، وبالتالي فإن المساحة المخصصة للآخر أيّاً كان يجب أن تكون محدودة ووفق معايير صارمة، يقول المفكر والفيلسوف البريطاني جون لوك «التربية بضاعة لا تصدر ولا تستورد»، وأكد هذا المفهوم جون ديوي الأمريكي الذي استغرب أن تستعين أمريكا بالمنهج البريطاني لاختلاف البيئة التربوية، واعتبر ذلك خطأ منهجياً كبيراً. ولعل من الأمور التي تدعونا إلى التحذير من خطر الاستيراد التربوي غير المنضبط عدد من الممارسات المجتمعية المؤسسية والفردية، فمثلاً لسنا بحاجة إلى أن نثبت أن عدداً كبيراً من مشروعاتنا التربوية الحديثة تم نسخها من المجتمع الغربي مع بعض التحسينات الظاهرية اللازمة ليتقبلها المجتمع السعودي مثل تغيير صورة الخنزير إلى خروف، أو صورة الفتاة العارية إلى فتاة محجبة... إلخ.. ومع التأكيد على أهمية الاستفادة من الموروث الثقافي والعلمي لدى الأمم والحضارات الأخرى إلاّ أن هذه الاستفادة ينبغي أن تضبط بمحددات ثقافية تحمي المجتمع من التلوث الثقافي. إن تمكين الأجنبي البعيد عنّا فكراً ومنهجاً وثقافة وبيئة من التغلغل في نظامنا التربوي وتوجيه خططنا ومناهجنا وبرامجنا التربوية تحت مظلة تنفيذ مشروعات تربوية وكأن المجتمع المحلي ليس لديه من الكفاءات الفردية والمؤسسية ما يمكنه من بناء خطة إستراتيجية، أو ابتكار شعار تربوي، أو صناعة منهج علمي أو تقني، يُشكِّل اعترافاً ضمنياً بالإعاقة الفكرية والمنهجية الدائمة، كما أنه من الناحية المنهجية خطأ علمي له عواقبه الوخيمة، وقد لا يكون من المستبعد أن توظف الشركات الأجنبية كل ما تحصل عليه من معلومات عن مجتمعنا في أهداف سياسية وإعلامية واقتصادية أخرى والأمثلة محسوسة ومشاهدة. لقد أصبحنا وكأننا خاضعون لاستعمار تربوي وليس استيراداً تربوياً، فقد حاصرنا الآخر في جميع مجالات التطوير، فعلى المستوى المؤسسي لا تكاد تجد مشروعاً تربوياً إلاّ والأصل فيه الخبرات العالمية «غير المحلية» مما يعنى استبعاد العقول والخبرات المحلية من التأثير الحقيقي على المشروع، أما على المستوى الفردي فالمشاهد أن المجتمع بكل فئاته وبشكل خاص الفئة المثقفة تتجه وبقوة إلى التعليم الدولي باعتباره الأجود والأشمل كونه يعتمد اللغة الإنجليزية التي ينظر إليها فئام كثيرة من المجتمع بأنها سلاح الأمان المستقبلي للأبناء، ونسي الكثيرون أن ذلك سوف يكون على حساب لغة القرآن وهوية الوطن. والحديث ذو شجون ولعلنا في مقال لاحق نستعرض بعضاً من الأسباب التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة، والله من وراء القصد.