×
محافظة المنطقة الشرقية

القحطاني لـ {الشرق الأوسط}: «الدرفت» وسيلة لممارسة السرعة والتهور في بيئة آمنة

صورة الخبر

العقل ملكة مميزة للجنس البشري. وحسب الفلاسفة القدماء، فالعقل بطبعه هو مصدر الصواب. ويرى ديكارت أن العقل هو قبس من نور الله ولذا فيستحيل أن يكون العقل مصدر الخطأ. وهنا يطرح ديكارت السؤال: إن كان العقل ليس مصدرا للخطأ، والإنسان بطبعه يخطئ في أحكامه وتقديراته وحساباته.. فمن أين يردنا الخطأ؟ في كتابه (تأملات ميتافيزيقية في الفلسفة الأولى) وتحديدا التأمل الرابع، يميز ديكارت بين العقل والإرادة. والعقل هو ملكة التفكير والإرادة هي الرغبة التي تدفع البشر للسلوك واتخاذ مواقف معينة. والعقل والإرادة معها صادران عن الحق؛ أي هما مخلوقان لله ولذا فلا يمكن أن يكونا مصدرا للضلال. ولكنه يلاحظ شيئا مهما. العقل البشري بخلاف الإلهي محدود. أي إنه ليس ذا قدرة كاملة، بل إنه فقط يعمل في حدود المنطق والتجربة. وأما الإرادة البشرية فهي غير محدودة، أي إن رغبة الإنسان أكبر جدا من ممكناته ومن عالمه. مثلا: لا نعدم أن نجد إنسانا يرغب في أن يطير بجسده. لكن رغبته تصطدم بالواقع وقوانينه. الإرادة عند ديكارت تشمل مبدأ الاختيار والحكم. فإذا طبقنا الإرادة على موضوعات عقلية أو واقعية فهي قادرة أن تحكم عليها بشكل صحيح. ويحدث الخطأ عندما نصدر أحكاما تفوق قدرة عقلنا. لكن هل صحيح أن للعقل حدودا؟، وهل صحيح أن العقل غير مصدر للخطأ؟، الدراسات الفلسفية والعلمية اليوم ترفض فكرة ديكارت لأنها غير برهانية. فالعقل اليوم لم يعد يفهم على أنه كينونة مستقلة حسب أفلاطون وديكارت أو صندوقا مغلقا ليبنتز أو صفحة بيضاء حسب جون لوك .. بل هو ببساطة نشاط وفاعلية حسب هوسرل وفتغنشتاين. إنه نشاط يمارسه الإنسان كأي نشاط آخر.. كنشاط البدن مثلا. والنشاط العقلي حسب هوسرل هو أن العقل مجرد وعي بشيء ما. أي إن العقل لا وجود له بلا أشياء معقولة. والوعي لا بد أن يكون وعيا بشيء ما. مثلا: الإدراك يكون إدراكا لشيء ما ( يستحيل أن تدرك ما لم يكن هناك شيء مدرك « باب» ، «طاولة» «شجرة» ..إلخ). لذا فالعقل ليس ملكة منزهة ومعصومة حسب ديكارت، بل هو وعي مباشر ومرتبط بالعالم المحيط. لنقارن النشاط العقلي الآن بالنشاط البدني أو العضلي. العقل والعضل كلاهما يحتاج لتدريب مستمر حتى يقوم بوظيفته على أتم وجه. إذا لم يتدرب العقل فإنه يترهل كالعضل. والرياضي الكسول ذو العضل المترهل الذي ترك التمرينات سيقع في خطأ لو أراد أن يقفز عارضة طويلة لا يقدر عليها إلا الرياضيون الممرنون. أي إن العضل سيخونه ويسقط اللاعب. هنا ينشط الخطأ بوصفه فشلا في النشاط أو الإنجاز. وهكذا يحدث لنشاط العقل. إذا لم تمرن عقلك على مسائل في الرياضيات مثلا فستخطئ في الحسبة. إذا لم تمرن عقلك على المنطق فستخطئ في الحجاج والنقاش. إذا لم يتزود عقلك بغذائه فسيصبح كسيحا وغذاء العقل التفكير النقدي والقراءة الجادة. وبما أن العضلات قد يدمرها الغذاء غير الصحي فالعقل قد يفسد إذا امتلأ بمعلومات مخالفة لمبادئه. ومثل المرء الذي يؤمن بالمتناقضات كمثل اللاعب يأكل الطعام المضر لبدنه. فالمتناقضات مخالفة لجوهر العقل والإبقاء عليها تدمره. والعقل يكون أكثر قربا من الصواب وأبعد عن الخطأ إذا تزود بالزاد الملائم له وتمرن على النقد والتحليل والشك والمساءلة. فهي أهم أنشطة العقل.