حين تقرأ عن أشخاص يحملون شهادات «بالطب والهندسة» انضموا إلى «داعش»، وشاركوا بقتل أبرياء وباقي الأمور اللاعقلانية واللامنطقية، من المؤكد أن تندهش إذ كيف استطاعت هذه العقول التي حلت أعقد المعادلات الرياضية، وعرفت مما يتشكل الإنسان جسديا ونفسيا، هي نفسها التي ترى لا عقلانية أفكار «داعش» صوابا؟ ما أن تذهب دهشتك وتفكر بالأسباب المؤدية لأن تؤمن هذه العقول بالشيء ونقيضه، ستخلص إلى أن هؤلاء الشباب الذين كان من المفترض أن يخدموا ويطوروا العلوم التي برعوا فيها، لو أنهم تلقوا تعليمهم الأولي على أيدي تربويين، لما حدث لهم ما حدث، ولا كانت أفكار «داعش» زرعت بعقولهم الغضة وهم أطفال قبل وعيهم. وأنه يمكن وقف هذا الأمر إن تتبعت وزارة التربية والتعليم «السيرة الذاتية» لهؤلاء الطلاب وعلى يد من درسوا وهم أطفال، وإن كان هؤلاء ما زالوا يدرسون النشء، لا بد من إبعادهم عن التعليم، لأنهم يدمرون مستقبل المجتمع. وحين تقرأ قصة أستاذة أصول الفقه والاقتصاد الإسلامي بجامعة الدمام الدكتورة «إيمان البغا» التي استقالت من الجامعة، لتبايع زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي قبل أن تلتحق بالتنظيم، لن تقل دهشتك عما حدث لخريجي «العلوم التطبيقية»، وستتساءل: من هم «دكاترة القسم والمجلس العلمي» الذين جلسوا معها لتقييمها قبل أن تتم تزكيتها لتعين كأستاذة ومحاضرة للطالبات؟ إذ إن الجامعات كنظام أو عرف تفرض على الدكتور المتقدم للتدريس أن يلتقي «بدكاترة القسم والمجلس العلمي»، وهم من سيرفعون توصية لمدير الجامعة بقبوله أو بعدم صلاحيته للعب دور المعلم والموجه لطالبات وطلاب الجامعة، فكيف مرت هذه العقلية التي يبدو لي أنها ساذجة، لأنها لا تفرق بين أبسط الصواب والخطأ «قتل وسبي واغتصاب الأبرياء»، على هؤلاء الأمناء دون أن يكتشفوا أنها لا تصلح للتدريس؟ خلاصة القول: قصة أستاذة الجامعة وحكاية خريجي «الطب والهندسة» الذين التحقوا بـ«داعش»، تكشف لنا غياب أو ضعف الرقابة في مجال التعليم، وأن على المعنيين إعادة النظر في هذه الرقابة. وما أعنيه بالرقابة ليست الأمنية، فالمسؤول الأمني لا دخل له ولا يملك القدرة على تقييم الدكتور المعلم، بل الرقابة الأكاديمية العلمية، فهي من المؤكد إن لم تكن غائبة ضعيفة، وإلا كيف منحت «البغا» كرسيا بالجامعة لتعد جيل المستقبل؟