من المؤكد أن الوطن أهم من الأشخاص ومن الأحزاب والتنظيمات مهما بلغت مكانتهم داخل مجتمعاتهم أو بين طوائفهم أو مكوناتهم الأسرية والقبلية، سواء أكانوا السيد نمر النمر، أم الدكتور محمد العريفي، أم من قبلهم «المقبورين» جهيمان ويوسف العييري وعبدالعزيز المقرن والدخيل، وكل قادة التنظيمات الإرهابية السنية أو الشيعية. وهو -أي الوطن- مقدم حتى على ترفنا ورفاهيتنا، فمستقبلنا ومستقبل أجيالنا المقبلة رهن بما نتخذه اليوم من قرارات وتضحيات كبرى، في خضم هذه الظلمات والصراعات والحروب الدموية التي طاولت كل مقدس وهدمت كل قيمة، وجعلت من الحليم حيرانَ. وها هي تركيا قبل أشهر توقف كل وسائل التواصل الاجتماعي عندما رأت أن «توتير» و«فيسبوك» يخرقان أمنها وقد يجرفان استقرارها، كما أنها -وقبل سنوات- اختطفت الزعيم الكردي «التركي» عبدالله أوجلان، ولاحقته من بلد إلى آخر؛ لأنها كانت على قناعة بأن وجوده طليقاً يمثل خطراً محدقاً عليها. وكذلك فعلت إيران من قبلها، وهي التي لا تسمح أبداً باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي نهائياً، بل تُسيِّر مليشياتها في أحياء مدنها وقراها؛ لاقتلاع «الدشوش» التي تلتقط القنوات الفضائية. في عام 1993 عادت المعارضة الشيعية من الخارج، بعدما وجدت أن مكانها ومكانتها سيتحققان في وطنها على إثر التطور الاجتماعي والسياسي الذي حدث في المملكة. وجاءت عودة عشرات من المثقفين والمفكرين الشيعة بمباركة شخصية من الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله. اليوم نرى الكثير من قادة تلك المعارضة في مواقع مميزة اجتماعياً وفكرياً، بعدما اندمجوا في وطنهم مع أشقائهم من المكون السني، وأخذوا يعملون من خلال المساحات المتاحة التي يمكن تطويرها بالحوار والإقناع. وهي تتشابه مع عودة كثير من المعارضين السعوديين السنة إلى وطنهم، فور أن يقتنعوا بأن الوطن أهم من معارضته أو مماحكته من الخارج. التشريعات أو الأحكام القضائية التي تواجه بها السعودية التنظيمات والقوى الساعية؛ لزعزعة استقرارها وأمنها، لا تستهدف طائفة أو أشخاصاً معينين، بل تنظر بعين واحدة عادلة لكل من تلوثت يداه بالتحريض أو التخريب أو التمويل. فأحكام الإعدام والسجن والتعزير المستندة إلى الشريعة الإسلامية المطبقة في المملكة طاولت السني قبل الشيعي، وبنظرة إلى تلك الأحكام نرى أنها استهدفت في الأساس تحقيق بيئة آمنة، يعيش فيها المواطنون سنةً وشيعةً وإسماعيليةً بسلام، على حد سواء. كما أن السعودية تحاول، من خلال القوانين التي تسنها، وآخرها قوانين الإرهاب التي صدرت أخيراً، أن تحمي مواطنيها من الانزلاق في شرور الحروب الأهلية والطائفية، أو الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية. فهي جرّمت بكل حزم تنظيمات «القاعدة» و«داعش» و«جبهة النصرة» والإخوان المتأسلمون «السنية»، مع حزب الله السعودية، وحزب الله اللبناني «الشيعية»، ولم تميز أو تنحز إلى أي منها، بل حذرت كل من يخرق النظام بأنها ستطبق عليه الأحكام من دون النظر إلى طائفته وجماعته. وللحق لم تكن السعودية في تاريخها الحديث دموية المنهج، ولم تتغول أبداً في دماء الأبرياء، بل حاولت قدر الإمكان حل القضايا الداخلية والخارجية بالتغافل المقصود أحياناً -وهو نصف الحُلم والعقل كما يقال- وبالحزم المحدود أحايين أخرى.