طهران يمكن ان تلعب دورا إيجابيا، إذا ما حجمت طموحاتها الإقليمية وأوقفت تدخلاتها في شؤون الغير التي أربكت ترتيبات الامن الإقليمي، وذلك بإخراج قواتها من سورية والعراق واليمن والانخراط مع المجتمع الدولي في إيجاد حلول أو تسويات للازمات لا نحتاج إلى قدرات خارقة أو بلوّرة سحرية لكي نعرف حقيقة ما الذي تفعله إيران وما هو حجم مطامعها. إيران من ناحية تريد صرف الأنظار عما يحدث في داخلها من احتجاج شعبي ووضع اقتصادي مترد وتعزيز نفوذها وهيمنتها الاقليمية من ناحية اخرى. أصبح معروفا ان إيران ترى أن التدخل في شؤون الدول الأخرى, وهز استقرارها يحققان لها الهيمنة والسيطرة على تلك الدول، وبالتالي تكون شرطي الإقليم. تدخلها يكون عادة عبر دعم العناصر والعملاء والحركات مادياً وعسكرياً وإعلامياً ولذا يتضح ان الخلل في السياسة الإيرانية، يكمن في هيمنة الاعتبار الايديولوجي على المصلحة الوطنية منذ نجاح الثورة الإيرانية في فبراير عام 1979م، بدليل استمرار تصدير الثورة وإن كان بصور مغايرة، ناهيك عن ان ثمة تباينا صارخا ما بين خطابها القولي، وممارساتها على الأرض. ان إيران تتدخل في الشؤون الداخلية للدول وذلك بالوقوف مع أطراف محسوبة عليها لخدمة مصالحها ومشروعها. ولكن ما الذي تريده إيران من السعودية؟ يرى كثيرون ان السعودية كانت ولا زالت تمثل لإيران هاجسا سياسيا وعقائديا، وتقف حاجزا منيعا امام تحقيق طموحاتها، ما يفسر سبب لجوئها لمختلف السبل من أجل تضييق الخناق عليها لقناعتها بأن مخططها التوسعي لن يتحقق له النجاح في ظل قيام السعودية بدورها المعتدل والمتوازن، وبالتالي لم تجد أمامها سوى اللعب على الوتر الطائفي. وقد مارست ذلك ولا زالت، وبالأمس شنت طهران حملة شرسة ضد السعودية، بعد صدور الحكم القضائي بإعدام نمر النمر، وهددت وازبدت ومعها حزب الله والحوثيون رغم انه حكم ابتدائي، والذي جاء عقوبة لأفعال المتهم وليس لانتمائه للطائفة الشيعية. وهناك مرحلة الاستئناف وبعدها مصادقة المحكمة العليا. الا ان كل ما تلفظوا به من أحاديث وتعليقات ومقولات غير لائقة يعتبر تدخلا في امر سيادي، ولن يغير من الامر شيئا، فالقضاء في المملكة مستقل ويجب ان تحترم احكامه وستنفذ بحزم أيا كانت توجهاتها شاء من شاء وابى من ابى. والحقيقة ان ملف حقوق الإنسان في إيران يعتبر الأسوأ وفق تصنيف المنظمات الحقوقية الدولية. ويعاني السنة من التهميش والمتابعة الأمنية والملاحقة والاعتقالات والتعذيب فضلا عن عدم تمكينهم من ممارسة العبادة وبناء المساجد وقد بلغ عددهم أكثر من 20 مليون شخص. وقد شهدنا الى أي مدى وصل الصلف الإيراني في الأحواز وإقليم بلوشستان ما يعكس حجم التضييق والتكبيل في ملاحقة السنة، الامر الذي دفع مجلس حقوق الإنسان الأممي ليستمر في تغطية الوضع هناك لعام آخر. على ان توصيف الأمير سعود الفيصل لما يحدث في سورية كان دقيقا عندما نعت القوات الإيرانية هناك بالمحتلة، مؤكدا ان طهران هي جزء من المشكلة لا الحل، كونها تدافع عن نظام فقد شرعيته وتقتل السوريين في بلدهم. ولذلك لا نستغرب التصعيد الإيراني تجاه التحالف الدولي فكان متوقعا كردة فعل لاستبعادها منه أضف الى ذلك قلق طهران تجاه حليفها الاستراتيجي نظام الأسد من تداعيات هذه الضربات فضلا عن خشيتها من تراجع نفوذها هناك ما بعد مرحلة داعش. وبالتالي هناك من يرى ان هذه الحملة هي نوع من المساومة لمشاركتها في التحالف مقابل ميزات تحصل عليها كرفع العقوبات الاقتصادية او منحها تسهيلات بشأن برنامجها النووي فضلا عن عدم المساس بتغيير الوضع الحالي في الجبهة السورية. غير ان رفض دخول إيران للتحالف له مبرراته، فهي تصنف كدولة راعية للإرهاب وداعمة للنظام السوري وفق رؤية دول التحالف والكثير من دول العالم، ناهيك عن ان تواجدها ضمن التحالف قد يذكي طبيعة الصراع الطائفي والاهم من هذا كله ان هناك ازمة ثقة ما بين طهران وبقية دول التحالف. ومع ذلك فايران سبق ان استفادت من التعاطي الأميركي في أفغانستان والعراق ولذا هي تطمع في ملء الفراغ في حال القضاء على داعش، ما يتطلب وضع رؤية واضحة ما بعد داعش تهدف الى تقليص النفوذ والتواجد العسكري الإيراني في العراق وسورية. ان إشكالية إيران سياسية في المقام الأول ولا خلاف لدينا مع الشعب الإيراني. فهي تتدخل في شؤون الدول الأخرى من الزاوية الطائفية ودائما ما تبحث عن أوراق فاعلة في يدها لاستخدامها للمفاوضة والمساومة مع الغرب. وكانت إيران في العهد الاصلاحي برئاسة رفسنجاني ثم خاتمي تمثل النضج السياسي والذي شهد تقاربا خليجيا-إيرانيا، وانفتاحا على العالم الغربي، ما خلق حالة من الثقة والارتياح والوفاق، ثم ما لبث أن تلاشى هذا الشعور الايجابي مع مجيء الرئيس السابق محمود احمدي نجاد ويبدو ان الوضع لم يتغير مع روحاني رغم تصريحاته الإيجابية. وكونهما المؤثرين إقليميا فان هناك ضرورة لتنقية شوائب العلاقة ما بينهما رغم الفتور الراهن، فهل تتوفر الإرادة السياسية لطهران لمراجعة سياساتها والدخول في حوار جاد وشفاف مع السعودية التي دائما ما رحبت بذلك؟! صفوة القول: طهران يمكن ان تلعب دورا إيجابيا، إذا ما حجمت طموحاتها الإقليمية وأوقفت تدخلاتها في شؤون الغير التي أربكت ترتيبات الامن الإقليمي، وذلك بإخراج قواتها من سورية والعراق واليمن والانخراط مع المجتمع الدولي في إيجاد حلول أو تسويات للازمات تأخذ في الاعتبار احترام الشرعية وخيارات الشعوب وما يخدم استقرار الإقليم.