الداعية في مركز الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الإسلامية بحائل سليمان الطريقي غرد مؤخراً وعبر حسابه في تويتر عن لقائه أثناء وجوده في اندونيسيا، بطفل اندونيسي اقترب منه وغنى له "مقادير" الأغنية الشهيرة للراحل طلال مداح، الشيخ الطريقي تفاعل مع هذا الطفل بقوله: "تذكرت طلال مداح وحاجته للحسنات، فتصدقت عنه بما تيسر". التسامح والشخصية الطبيعية البعيدة عن الأقنعة وجدت من حروف التغريدة التي لم تتجاوز 140 حرفاً، وتجاوزتها بالمعاني والأخلاق النبيلة، التي صورت جانباً آخر من أخلاقيات الإنسان المسلم وتعامله مع الآخرين كإنسان وليس كما يفعل البعض، التحريم والتحليل لديهم كشربة الماء، وبكل سهولة، مما أوجد لدينا للأسف الداعشيين وغيرهم، الذين لازالوا وبإصرار وبدعم ظاهر ومبطن من البعض، يقترفون أكبر جرائم الانسانية بإسم الإسلام!. كلمات سليمان الطريقي عن الراحل طلال مداح أعادتني لعام 1994م، كنت حينها في القاهرة، في بداياتي الصحفية، وكان في الفندق الذي أسكنه إعلان عن أول حفلة غنائية يقيمها الراحل طلال بعد توقف حصل له لظروف معينة، حضرت الحفل وفضولي الصحفي جعلني أحاول الالتقاء بصورة مباشرة وخاصة بالنجم الكبير، أوهمت المصور الذي كان بالكواليس أنني أرغب بالتصوير معه وتم الاتفاق بمقابل مادي متعارف عليه في تلك الفترة، قابلته وطلبت منه لقاء صحفياً لجريدة الرياض، وبادرني بالترحيب العفوي وطلب مني زيارته في بيته بالقاهرة اليوم التالي برفقة صديق لطلال من قطر كان يعرف مكان سكنه. انشغلت بتفاصيل موقع سكنه وكيف ستكون فخامة المكان وغيرها من الأمور الطبيعية وانت تلتقي مع نجم كبير على المستوى العربي، اتجهنا إلى حيث يسكن، الحي كصدمة لي من الوهلة الأولى شعبي جداً، أثناء مشينا على الأقدام للوصول إلى شقته كان هناك أشخاص نائمون بالشارع بجانب العمارة، المنظر أثار دهشتي وقلب موازين تخيلاتي، دخلنا في عمارة قديمة وصعدنا لشقة طلال مداح، استقبلنا بثوبه وطاقية على رأسه وبكل حب وأريحية، كسر الكثير من البروتوكولات، كان بسيطا جداً، عفوياً بترحيبه، أعطاني تصوراً عن أهم أمر يكتسبه الإنسان وهو التواضع رغم الشهرة الكبيرة التي كان يتربع عليها طلال مداح، لذلك بعد رحيله لا نستغرب الحب الذي أوجده بقلوب الآخرين رغم مرور سنوات على رحيله، وما حدث مع الشيخ الطريقي ليس إلا نموذجاً بسيطاً لذلك. تعاملنا الطبيعي مع بعضنا والتعامل بحسن نية ودون أن نجعل أنفسنا مصلحين أو منزهين، هو الذي يحتاجه مجتمعنا في ظل التذبذب الحاصل حالياً بمستوى الثقة بين أفراده والتي كشفها كثيراً وبكل أسف التواصل المباشر فيما بيننا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح هناك طرفان في أي موضوع يطرح، ونادراً ما نجد التوافق، وهذا مؤشر خطير في طريقة تفكيرنا، الكل اصبح لديه القدرة لمناقشة أي أمر، والاصعب انك اذا لم تكن معي فأنت ضدي، وكأننا نطبق المقولة الشهيرة للرئيس الامريكي الاسبق بوش الابن. ما فعله وأعلن عنه وبصورة أخلاقية رائعة الداعية سليمان الطريقي تعطينا نموذجا رائعا للتسامح داخل مجتمعنا، وتعطينا فرصة لبروز شخصيات تعيش بصورة طبيعية مع مجتمعها ودينها، وتواجه من اختطفوا الصوت والصورة وفرضوا مصالحهم وأهواءهم على المجتمع، والذي نتج عنه للأسف تبعية عمياء لدى الكثيرين، بدأت وإن كانت بصورة بطيئة تنجلي نوعاً ما..