عبر رحلة (ترانزيت) قصيرة قابلتُ مواطناً خليجياً عائداً إلى بلاده من إحدى دول آسيا التي يدرس فيها الدكتوراه على حسابه الخاص، وقد تحدثنا حول نقاط كثيرة، ومنها قضية التعليم في دول مجلس التعاون، ومدى التفاوت والاختلاف في المناهج التعليمية، وكذلك مدى صمود هذه المناهج ومواكبتها للتغيرات العالمية الحالية والمستقبلية. إلا أن أكثر محاور الحديث ذي الشجون استأثر بها "الابتعاث" كتجربة سعودية بدأت مبكراً في أربعينات القرن الماضي، وتوقفت فترة من الزمن خلال الثمانينات، ثم عادت بقوة إلى الواجهة قبل ما يقارب عقدا من الزمن، وتحديداً في عام ١٤٢٦، من خلال "برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي" الذي يعتبر أحد أهم مشروعات التنمية البشرية في المملكة حالياً، وحقق نجاحاً باهراً خلال العقد الماضي، ونأمل فيه أن يكون رافداً تنموياً واقتصادياً وعلمياً وثقافياً مميزاً ذا أثر إيجابي في مسيرة التنمية البشرية السعودية، لا يقل أهمية عن دور البترول في تطوير حياة أجيال المجتمع السعودي. قادني الحديث مع صاحبي الطالب الخليجي إلى مقتل المبتعثة السعودية في بريطانيا ناهد المانع قبل أشهر، ومقتل المبتعث السعودي في الولايات المتحدة الأميركية عبدالله القاضي -رحمهما الله- مؤخراً على أيدٍ غادرة، وخلص الحديث إلى أن مثل هذه المواقف يمكن أن تحدث لأي أحد. غير أن هذا الجانب من الحديث جذبني وصاحبي إلى نقطة مهمة، وهي رعاية واهتمام وزارة التعليم العالي السعودية بالمبتعثين، وخاصة أن الطلبة السعوديين ينتشرون في كافة دول العالم بشكل كبير، ورغم ضخامة العدد استطاعت الوزارة تسيير أمورهم بشكل متميز من خلال الملحقيات الثقافية السعودية في العالم، ومن خلال أنظمة التعاملات الإلكترونية التي اعتمدتها "التعليم العالي"، إلا أن صاحبي فاجأني بالقول: حتى وزير التعليم العالي لديكم، ألاحظ أنه مهتم كثيراً بالمبتعثين السعوديين بتهنئتهم ومشاركتهم احتفالات تخرجهم بحضوره وعدد من السفراء وقيادات الوزارة في مختلف الدول، وقادتني هذه الملاحظة لأسأله: وأنتم ماذا عنكم؟ فقال إن الاهتمام منصب على خريجي الداخل لا الخارج. وحقيقة أني لم أشأ أن أدخل في التفاصيل، ولجأت إلى محركات البحث، وبالفعل لم أجد اهتماماً خليجياً يقارن بالاهتمام الذي نراه نحن من قبل وزارة التعليم العالي بطلابنا المبتعثين. وبما أن الطالب الخليجي نبّه إلى نقطة مهمة، وهي الاهتمام بطلبة التعليم العالي السعوديين ورعايتهم؛ فإن جانب العلاقات الإنسانية يعتبر جزءاً رئيساً في الإدارة، وقد لمست جانب الاهتمام الإنساني بالطلبة وأولياء أمورهم لدى معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري حين شاهدته في إحدى دورات "مؤتمر طلاب وطالبات التعليم العالي" يخرج من إحدى القاعات ممسكاً بيدي طالبين متحدثاً إليهما، وبقي هذا المشهد راسخاً في الذاكرة حيث رأيت فيه صورة أب حانٍ يصطحب اثنين من أبنائه ويوليهما اهتماماً صادقاً وحميماً. وفي موقف آخر أيضاً، أثناء فعاليات يوم المهنة في أستراليا، توقف معالي الوزير أثناء الجولة في المعرض أمام عدد من الطلاب والطالبات وبعض أولياء الأمور ليقضي مطالبهم، وكان يستمع بإنصات إلى كل مطالبهم ويحاورهم ويتفاعل مع ما يبدونه، حتى إن ولي أمر إحدى الطالبات -وهو رجل مسن- كان برفقة ابنته استوقف الوزير وتحدث إليه طويلاً وحاوره وسط الجمع، ولما انتهيا، أقسم الرجل أن يقبّل رأس الوزير وفعل ذلك رغم الرفض. حين نذكر مثل هذه المواقف الإنسانية في جانب الرعاية والاهتمام بالمواطن السعودي من قبل المسؤول في أي مكان؛ فإنه لا يمكن نسيان سياسات الباب المفتوح، ولذلك لا بد لنا أن نتذكر توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوزراء الحكومة ومسؤوليها حين قال حفظه الله: "أرجوكم استقبلوا الشعب صغيرهم وكبيرهم كأنهم أنا".. مؤكداً على مسؤولي الدولة أن يجعلوا الله سبحانه وتعالى نصب أعينهم دائماً.