القاصي قبل الداني يعرف قيمة العملاق (محمد الدعيع) حارس القرن وعميد لاعبي العالم لسنوات قبل أن يتخلى اتحاد القدم عن مسؤولياته ويخسر بعض مبارياته الدولية، وهو عملاق في تعامله وأخلاقه واحترامه للجميع. وبعيدا عن أي ألقاب فإن دوره البطولي المميز في كأس العالم للناشئين عام 1989 أخفي تماما في فيلم وثائقي قصير يحكي المباراة النهائية أمام منتخب البلد المضيف (أسكتلندا). وإن كانت القناة (الرياضية) تعرض مشكورة إنجازات تاريخية بعنوان (منجز رياضي) إلا أن من قام على هذا المنجز أخل كثيرا بعمله أو أنه غير ملم بكرة القدم وأهمية (جميع) عناصر الإبداع والمنجز. وأنا في هذا المقام أنقد عملا يفترض أن يكون في غاية الدقة والإنصاف، لا سيما لحارس عملاق لم يحقق أي لاعب في مركزه أرقامه وإنجازاته محليا وخارجيا، كما أن دوره في هذه البطولة تحديدا كان مؤثرا ولم يقتصر على أن يكون (نصف الفريق)، بل كان أكثر، ولن أنسى أبدا مسيرة المنتخب البطل ولا سيناريو المباراة النهائية حيث كنت حينها في مقاعد الملعب الخاصة بالإعلاميين، وتصدى الدعيع لركلة جزاء أسكتلندية والنتيجة 2/1 للفريق المضيف، أي لو سجلت لأصبحت النتيجة (3/1)، لكن الدعيع (الشجاع) أبطلها وأصاب الأسكتلنديين في مقتل وزاد من ثقة زملائه في أنفسهم، فنجح وليد الطرير في تسجيل التعادل (2/2) بعد هجمة مثالية من سليمان الرشودي وتمويهة من خالد الرويحي (يرحمه الله)، وقبل ذلك كان الرشودي قد سجل الهدف الأول من كرة ثابتة (1/2). وفي ركلات الترجيح، واصل الدعيع إبداعه وصد ركلة، بينما سجل لاعبو منتخبنا الركلات الخمس (5/4). وفي الفيلم المختصر تم عرض هدفي المنتخب وبعض الفرص أثناء المباراة وركلات الترجيح التي سددها لاعبو منتخبنا، ولم يتم عرض تصدي الدعيع لركلة جزاء أثناء المباراة ولا خلال ركلات الترجيح. وفي كرة القدم ولا سيما التوثيقي منها، مهم جدا أن يتم استعراض أهم الأحداث المؤثرة، وليس أقوى من ركلة جزاء خلال المباراة قد تكتب نهايتها بفارق هدفين (لو سجلت)، وفي المقابل لها مفعول السحر في استنهاض الهمم لفريق آيل للانهيار، وإحباط لفريق يطمع في زيادة الغلة، وكذلك أثناء ركلات الترجيح، التي لها آثار نفسية هائلة إيجابا لفريق الحارس وسلبا للمنافس. وفي هذا المقام، آمل من مدير عام القنوات الرياضية الدكتور محمد باريان أن يوجه بتعديل الفيلم الوثائقي ليكون منصفا للجميع، وربما أن هناك سلبيات أخرى أو نواقص يجب استيفاؤها. والحال ينطبق على منجزات أخرى يثمن للقناة الرياضية عرضها بين فترة وأخرى، بمثابة المرجع للمتابعين، تبقي قيمتها في ذاكرتنا جميعا ولمصلحة الأجيال المتعاقبة بأن تعرف ماضي رياضتها. وبالمناسبة تقع على اتحاد القدم السعودي مسؤولية إنصاف عدد من النجوم الذين لهم مباريات دولية لم تسجل بسبب عدم دفع قيمتها للفيفا، ومحمد الدعيع أحد هؤلاء النجوم، بل إنه فقد عرش عمادة لاعبي العالم 2012 بسبب قصور في اتحاد القدم الذي نأمل أن يكون بقيادة أحمد عيد أكثر قدرة على تلافي مثل هذه السلبيات لا سيما أن العلاقة قوية مع الاتحاد الدولي الذي ينصف من يطالب بحقوقه ويفي بواجباته. وفي المقابل يحسب للاتحاد المصري أنه عمل بقوة إلى أن تقدم نجمه أحمد حسن (عميدا) مستثمرا جمود اتحادنا الموقر. الدعيع من النجوم الذين حافظوا على مكانتهم في الملعب بالتحليل المنطقي والصراحة مع الجميع من خلال آرائه المتزنة في برنامج (كورة) كمحلل حصري، ويستحق كل الثناء والتقدير والاحترام، فمنذ عرفته في كأس العالم 1989 عن قرب وهو لم يتغير بل زادته نجوميته العالمية تواضعا وألقا ومثالية.