عندما تعرف عدوك فهذا نصف الانتصار، لكن عندما يتخفى عدوك فهذا ما يخيف ويؤرق، ويجعل الإنسان في قلق دائم. لعل هذا الوصف جاء لمطابقته الحالة المصرية، فمنذ أن أطاح المصريون بالرئيس المخلوع محمد مرسي يوم 3 جولاي 2013 حتى بدأ الإخوان حراكهم الإجرامي العلني بحق غالبية الشعب المصري، وأعلنوا مقاومتهم وتعطيل مصالح البلد، وما زالت القوات المسلحة المصرية تتعامل معهم وفق معايير الوطنية المصرية، فالجيش العربي المصري جيش وطني بامتياز، لكن الطامة الكبرى تكمن في وضع مخفي وشبح مندس وثعبان متسلل بين أرجل المصريين، هو الفريق العسكري المسلح لحركة الإخوان في العالم الإسلامي، ألا وهو حماس. فبعد انتقال خالد مشعل رئيس حركة حماس إلى قطر، وفوز محمد مرسي بالانتخابات المصرية بالأغلبية الخجولة، اعتبرت حماس نفسها ملكت الدنيا بما فيها، فبدأت حراكها من ثلاثة محاور: المحور الأول المصدر المالي من الدولة الراعية لإقامتهم، والمحور الثاني الدعم الاستراتيجي من حركة الإخوان التركية، والمحور الثالث الذراع القوية والعصا الغليظة وهي حركة الإخوان المصرية بعد استلامها الحكم في مصر. وكانت حماس بمنزلة الكوماندوز الإخواني أو الفدائي الإخواني الذي يطبق تطلعات النهج الإخواني في الميدان، وبدأ محاولات عبث على معبر رفح لتطلعات سياسية تفيدهم بالمستقبل، وخصوصاً بعد أن قام الرئيس المصري المخلوع بفتح الأراضي المصرية على مصراعيها، وأصبحت حماس تصول وتجول في مصر، وقام الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي بإعطاء الجنسية المصرية لأكثر من 75 ألف حمساوي في وقت عصيب تمر به مصر، لا يسمح بمثل هذه المغامرات الطائشة، حتى تناست حركة حماس المهمة الأساسية التي نشأت من أجلها حول القضية الفلسطينية، وبدأت ترى في مصر وكأنها الوطن البديل، فكان ذلك واحداً من أهم الأسباب التي ثار لأجلها الشعب المصري ضد حكم الإخوان في مصر، الذين تناسوا إيمانهم بالنهج الوطني المصري، وتحول انتماؤهم لنهج سياسي إخواني دولي، ويستخدمون راية الدين حجة لحراكهم، لكن عندما أسقط الشعب العربي المصري والقوات المسلحة المصرية حكم الإخوان في مصر في غضون ثلاثة أيام فقط بطريقة أبهرت العالم هنا جن جنون حماس، ولكي نعلم مدى إحباطهم نسمع ما قاله إسماعيل هنية في أول يوم من أيام سقوط حكم الإخوان؛ إذ قال إن حماس لا علاقة لها بالشأن المصري، وهو شأن داخلي. فسبحان الله، هذا النفي غير المبرر لحمس بأنه لا علاقة لهم بالشأن الداخلي المصري جاء ضدهم؛ إذ إن نفيهم جاء إثباتاً لتورطهم في أحداث مصر وعلاقتهم الإخوانية بالرئيس المصري المخلوع محمد مرسي. بعد ذلك بدأت حماس تشعر بأنها ثقيلة على من يستضيفها بعد فقد ذراعها القوية في مصر، وبدأت شيئاً فشيئاً تفقد الدعم الاستراتيجي من حركة الإخوان في تركيا، فكان لا بد لها من إيجاد دور من تحت الأنقاض، فبدأت بمهاجمة قوات حرس الحدود المصرية عند معبر رفح، وبدأت بالتعاون مع عناصر تخريبية للقيام بعمليات إرهابية في جزيرة سيناء المصرية، ومن ثم بدأت تهاجم إعلامياً بشكل مباشر القوات المسلحة المصرية والفريق البطل عبدالفتاح السيسي؛ وذلك لقيامهم بهدم الأنفاق التي تستخدمها حماس في عملياتها. إن أية دولة بالعالم تحترم سيادتها وتحافظ على حدودها لا ترضى بأن يمرر أي شيء إلى أراضيها دون رقابة وعلم هذه الدولة، وما فعلته الحكومة المصرية الحالية بهدم هذه الأنفاق هو عين الصواب، ثم إن هناك معبراً رسمياً فلِمَ الأنفاق؟ وما يزعج أنهم يرون هدم هذه الأنفاق أنه ضد الإنسانية، فلو حماس يهمها حقاً فائدة الشعب الفلسطيني لسلمت الحدود مع رفح إلى السلطة الفلسطينية الشرعية، وكان الأمر قانونياً شرعياً لجارتين تجمعهما حدود مشتركة، لكن مصر اضطرت للتعامل السياسي الازدواجي مع حماس على حدودها ومع السلطة الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. هذه هي حماس منذ أن فازت بالانتخابات الحكومية في فلسطين إلى أن أُقيلت، وهي تفقد بوصلتها يوماً بعد يوم، حتى في عهد مقاومتها المسلحة تضرر الأردن منها الشيء الكثير عندما كانت تسقط صواريخها في العقبة، ونتج من ذلك مقتل مواطنين أردنيين أبرياء، وبعد ذلك تحولت حماس من حركة مقاومة فلسطينية إلى حركة سياسية إخوانية بامتياز، ولا نعلم ماذا ستتحول بعد ذلك، فلا موقف ثابتاً لها، وهذه هي طبيعة حماس (الانقلاب والتقلب والنكران والتحالف مع الشيطان لتحقيق أهدافها السياسية بحجة المقاومة تارة وبحجة الدين تارة أخرى)، فبعد كسر ذراعها في مصر يلوح بالأفق ارتماؤها بأحضان إيران من جديد، هنا يتحول من الإخوانجي خالد مشعل إلى آية الله خالد مشعل مرة أخرى.