لقد لفتت انتباهي.. ما أجملها! فحينما هبط ظلام الليل شيئا فشيئا، وجدتها تسير في وسط المدينة على غير عادات السائحين والسائحات. يتلقفها ركب الصادقين فتذهب معهم حيث شاؤوا. ذكية ومسخّرة بأمر ربها، فلقد عَلِمت ما يدور في خَلَدي الخائن والحاسد من الخواطر السيئة. فتراها تجري بكلتا يديها ورجليها خشية منه! هي جميلة فاتنة كجمال القمر بين الغيوم والأنواء، وأجمل من قطرات الندى الساقطة على أوراق الورود الحمراء، إن هي ولجت قلبك وأحاطت بمنزلك فلعمري لأنت أسعد من هم درجوا على رقعة الأرض! ألم تعلم ما هي حتى الآن؟ هي النية البيضاء يا صافي القلب! لا تَرْمِني بالتهمة وتحدّث نفسك بأني أهيم في وادٍ غير الوادي الذي أسكن فيه وأتحدث عنه في مقالاتي! لا أتهم نيتك بأنك ظننت بي سوءا، ولكن دعني أسألك بكل صراحة: هل عشت مع الأنقياء الذين يملكون قلوبا أصفى من الشهد وأبيض من اللبن؟ إن كانت إجابتك بنعم، فأقول: هنيئا لك بهم.. فلا تعتزلهم! نعيش في مجتمع (غالبه) محللون اجتماعيون على صعيد الفرد والجماعات، فيطلقون التحليلات السيئة حتى على العلماء الربانيين! ولا سيما أن تجر الشفرة على أعناق الأتقياء والمصلحين! فيا للأسف! من كانت نيته بيضاء صافية يقال عنه بتهكم: «مسكين على نياته!». فهل يكون غدارا وماكرا كي يَسلَم من هذا الاتهام الباطل! هل انقلبت الأمور أم نحن المنقلبون؟! كم نحن مفتونون بإطلاق الصواريخ الخاطئة؛ تلك الصواريخ التي هدمت أسوار علاقاتنا حجرا حجرا! فدائما ما نسمع من دوي قذائفها: «إيش قصده..». «هو أصلا ناوي كذا..». «ماهو لله». فيرد ابن القيم ويقول: «والله، إن العبد ليصعب عليه معرفة نيته في عمله، فكيف يتسلّط على نيّات الخلق؟» لقد لوّثت النية السيئة حياة المجتمع كما يلوث الهواءَ النقيَّ دخانُ المدخنين وعوادم السيارات. النية هي المشروع الحي للحياة وللبناء! فليس مقالا يحويه ولا كتابا يكفيه، بل هو منهج غال وثمين؛ إن لم يأتك منهدرا مع الوراثة فاكتسبه مع الدربة والمران حتى تُعذَّب مع مضي السنين عليك.. والأيام (إنما العلم بالتعلم وإن الحلم بالتحلم). لذلك، أوصيك بالسباحة أولا في مسبح النية الطيبة، ثم نهرها وبحرها، وبإذن الله لن تغرق في المحيط لأن قلبك لن يصبح حديدا يغوص في قعر الشقاء والنك، بل سفينة تطفو فوق عباب.. الحياة السعيدة! * ومضة: أخي، أرجو أن تحطّم تلك الصواريخ الخطيرة التي في بيتك وقلبك ولسانك! كي تبقى قلعتنا جميلة غير معرّضة للهدم والتهديد. ولا تنسَ أن هناك من يُحسَب عليك قيمة عود الكبريت الذي لامس فتيلة الصاروخ.. فتأمّل! رابط الخبر بصحيفة الوئام: في بيوتنا صواريخ!