الأمر كان أشبه بـ»الحلم أو المعجزة» في زمن يموج بالاضطرابات والأخطار والفتن، ولكن الحلم أصبح حقيقة، والمعجزة باتت واقعًا ملموسًا تحقق بسواعد رجال عظام، نثق في قدرتهم على تحقيق المستحيل.. كانت البداية في إحدى الأمسيات الجميلة، وأنا أتابع نشرة الأخبار في القناة السعودية، حيث أطل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- في حفل تدشين مشروع «الحدود الذكية» أو ما يُسمّى بـ»أمن الحدود الشمالي»، وتفاعلت مع الحدث، وأنا أستمع إلى شرح مفصل من قِبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، الذي تحدث عن المرحلة الأولى من المشروع بين يدي المليك المفدى بحضور ملك البحرين. شعرت بسعادة غامرة وفخر لا حدود له، وأنا أتابع هذا الإنجاز الوطني الرائع، وتمنيت أن تتاح لي الفرصة لزيارة المشروع والاطلاع عليه عن كثب. مصادفة رائعة شاءت الصدف صباح اليوم التالي حينما طلب مني أحد رؤسائي التواصل مع قيادات حرس الحدود لأخذ المزيد من التفاصيل وتوفير معلومات جديدة لنشرها عن المشروع.. فتواصلت فورًا مع مدير عام حرس الحدود بالمملكة اللواء بحري عواد بن عيد البلوي الذي تكرم مشكورًا بالتجاوب، وزوًدني ببعض المعلومات التي طلبتها، ثم تواصلت مع قائد حرس الحدود في المنطقة الشمالية اللواء فالح السبيعي الذي كان متعاونًا، وأجاب عن تساؤلاتي. ولأنني كنت في شوق لرؤية المشروع على الطبيعة، عرضت عليه فكرة السماح لي بزيارتهم في مقر المشروع بالمنطقة فما كان منه إلاّ أن رحب بالفكرة ودعاني لزيارة رسمية إلى منطقة الحدود الشمالية للاطلاع على المشروع. وبالفعل نقلت الطلب إلى رؤسائي الذين رحبوا كذلك بالفكرة. بدأت رحلة البحث عن رحلة طيران لي ولزميلي المصور من جدة إلى عرعر العاصمة الإدارية لمنطقة الحدود الشمالية، وللأسف كانت جميع الرحلات مغلقة ومقاعدها محجوزة، إلاّ أننا وجدنا مقعدين من جدة إلى الرياض بعد أسبوع واحد، وبقينا في المطار ما يقارب 5 ساعات، ومن ثم أقلعت الرحلة من الرياض إلى عرعر، وعلمت مدى معاناة أهالي تلك المنطقة والمحافظات التابعة لها مع رحلات السفر بالطائرة الأمر الذي يستدعي ثكثيف الرحلات من وإلى مطاراتها طوال أيام الأسبوع لاسيما بعد انتقال بعض الوحدات العسكرية التابعة للحرس الوطني والقوات البرية الى تلك المنطقة. تبعًا للاحداث الأخيرة في بعض الدول المجاورة. الوصول إلى الحد الشمالي وصلنا إلى عرعر في الثامنة صباح يوم السبت 13 سبتمبر، واستأجرنا سيارة، ووجدنا غرفة في فندق «روز عرعر» سجلنا الحجز لمدة 4 ليالٍ، ومن ثم بدأت رحلة جديدة لاكتشاف المدينة التي نزورها لأول مرة. كانت شوارعها مرتبة، وميادينها جميلة، وكان هناك جامع الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد أمير منطقة الحدود الشمالية، الذي يعتبر تحفة معمارية جميلة. في اليوم التالي انتقلنا في الثامنة صباحًا إلى قيادة حرس الحدود بالمنطقة، والتقينا اللواء السبيعي الذي رحب بنا في عرعر، وتحاورنا معه، ووقفنا على غرفة القيادة والسيطرة، وسمعنا شرحًا مفصلاًَ عن إمكانيات هذه الغرفة من قبل مديرها. طلبت من اللواء الانتقال لــ»الحد الشمالي»، وبالفعل تحرّكت سيارتنا من عرعر إلى رفحاء التي تبعد نحو 280 كيلومترًا عن عرعر. وفور وصولنا التقينا بقائد قطاع رفحاء المكلف العقيد فنر التمياط، ووقفنا كذلك على غرفة القيادة والسيطرة في قطاع رفحاء، ومن ثم تناولنا طعام الغداء. صعدنا إلى إحدى دوريات حرس الحدود التي يقودها الرائد راشد الضبيب، وزرنا إسكان حرس الحدود، ووجدنا كل فيلا بداخلها تحتوي على دورين، في الدور الأول المطبخ، وغرفة المعيشة، وصالون الضيوف. وفي الدور الثاني 3 غرف نوم، وصالة مفروشة ومؤثثة بالكامل. تحركنا وقطعنا محافظة رفحاء من الوسط إلى الشمال في الطريق إلى الحد الشمالي؛ حتى وصلنا إلى بوابة الدخول الأولى، وبعد التأكد من هوياتنا أنا وزميلي المصوّر بحكم أننا مدنيّان، سمحوا لنا بالدخول، وقطعنا مسافة 10 كيلومترات، وكانت هذه المسافة تحتوي على طريق «مسفلت» يكفي لمرور سيارتين، وصحراء على مد البصر في اليمين واليسار، حتى وصلنا إلى مركز القيادة، ورأيت بعيني ما قرأت عنه، وما سمعته من سمو وزير الداخلية. رأيت السياج، والشباك، والساتر الترابي، والكاميرات الليلية والنهارية، والرادار، والدوريات، والأسلحة وجهاز G-TAK، هذه اللحظات التي لن أنساها في حياتي كاملة كانت من أجمل اللحظات وأنا أرى أناسًا يعملون بهمّة ونشاط، حتى نبقى نحن كمواطنين في منازلنا مطمئنين مرتاحين نعيش حياتنا بهدوء وسكينة. شكرًا سمو وزير الداخلية على هذا المشروع. شكرًا معالي الفريق زميم بن جوبير السواط -رحمه الله-. شكرًا سعادة اللواء عواد بن عيد البلوي. شكرًا سعادة اللواء فالح السبيعي. شكرًا سعادة العقيد فنر التمياط. شكرًا سعادة الرائد راشد الضبيب. شكرًا لكل شخص ساهم في صناعة هذا الإنجاز، بل هذه المعجزة الفنية والتقنية حتى نعيش بأمن وأمان. شكرًا لمن يعمل ليل نهار على حماية حدودنا من الأوغاد، واللصوص، ومهربي الأسلحة والمخدرات، وأعانك الله على تنفيذ المشروع في منطقة الحد الجنوبي. مشروع «الحد الذكي» ما شهدته كذلك في مشروع «الحد الذكي» الذي قامت بتنفيذه إحدى الشركات العالمية يُعدُّ منظومة أمنية وتقنية متكاملة في وجه الأخطار العابرة للحدود، ويبلغ طوله 900 كلم على طول امتداد شمال المملكة. ويتكون من 5 سياجات أمنية وأنظمة مراقبة وسيطرة بتقنيات عالية، كما ان البنية التحتية للمشروع تحتوي على 1.45 مليون كلم من الألياف البصرية التي تربط وزارة الداخلية، بمركز القيادة والسيطرة، وقيادة المنطقة الشمالية لحرس الحدود، بالإضافة إلى القطاعات السته العامل فيها المشروع. وتوجد كذلك أبراج استشعار، وساتران ترابيان «عقم» وسياجان كونسرتينا، وبرافو، وكاميرات نهارية وليلية بالأشعة فوق البنفسجية، وهناك مشروعات مصاحبة للحد الذكي المركز إقليمي للتدريب والتأهيل بقيادة المنطقة الشمالية، و3 مجمعات سكنية لمنسوبي حرس الحدود وعائلاتهم، و630 وحدة سكنية بحفر الباطن ورفحاء وطريف. ويتكون المشروع من 5 قطاعات وهي: الشعبة، ورفحاء، والعويقيلة، والجديدة، طريف، بالإضافة إلى قطاع حفر الباطن، والذي يتبع إداريًّا للمنطقة الشرقية، وكل قطاع من هذه القطاعات يتكون من مراكز قطاع الشعبة، وفيه 4 مراكز، قطاع رفحاء 5 مراكز، وقطاع العويقلية 5 مراكز، وقطاع الجديدة 7 مراكز، وقطاع طريف 8 مراكز، وقطاع حفر الباطن 4 مراكز. وهذه التقنية المستخدمة من قبل وزارة الداخلية تستطيع كشف أي كائن حيّ، إنسانًا كان أو حيوانًا يقترب من الشبك لما يقارب من كيلوواحد، ومن ثم على المتسلل أن يجتاز العقم الترابي، ومن ثم سياجين بين كل واحد والآخر ما يقارب 500 متر، قبل أن يصل إلى منطقة الـ10 كيلومترات، فإن وصل عليه قطع مسافة 10 كيلومترات قبل الوصول إلى سياج آخر، فإن اجتازه يعتبر رسميًّا داخل المملكة، إلاّ أن هذا الأمر أصبح من المستيحلات مع دخول البرنامج حيّز التنفيذ. والمتسلل الآن لن يستطيع الوصول إلى العقم الترابي إلاّ ويجد في انتظاره 3 دوريات من دوريات حرس الحدود، مجهزة بأحدث التقنيات، و3 أسلحة رشاشة، و6 من رجال حرس الحدود، وبعد القبض عليه يتم نقله بواسطة الشرطة العسكرية إلى قيادة المنطقة، وهناك يتم التحقيق معه، وتوقيع عقوبة السجن عليه، أو الغرامية المالية، أو كلتيهما معًا.