في شهر سبتمبر من عام 2011م تم تدشين مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب ورحبت المملكة العربية السعودية بذلك وأعلنت مساهمتها بمبلغ عشرة ملايين دولار لتغطية ميزانيته لثلاث سنوات وأكدت مساندتها لجميع الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب. وقال صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية رئيس وفد المملكة إلى اجتماعات الدورة السادسة والستين لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في حفل تدشين المركز: لقد عانت المملكة العربية السعودية مثلها مثل العديد من دول العالم، من العمليات الإرهابية، وتعاملت معها بكل صرامة وجدية، ساندها في ذلك الشعب السعودي الذي وقف صفاً واحداً مع قيادته في محاربة هذه الظاهرة الدخيلة على الوطن، والمنافية لمعتقداته وثقافته. ولم تقتصر سياسة المملكة على التعامل أمنياً مع هذه الظاهرة، بل اتسمت بالشمولية في التعامل مع الفكر الضال المؤدي إليه، وقطع كل سبل التمويل عنه. واستجابة لدعوة خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى عقد اجتماع عالي المستوى للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات المعتبرة عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مقر المنظمة بنيويورك في نوفمبر 2008م اجتماعا على مستوى الزعماء وممثلي الحكومات لمختلف دول العالم للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات المعتبرة. وقال خادم الحرمين الشريفين في كلمته التي ألقاها خلال الاجتماع: «إن حوارنا الذي سيتم بطريقة حضارية كفيل - بإذن الله - بإحياء القيم السامية، وترسيخها في نفوس الشعوب والأمم. ولا شك بإذن الله أن ذلك سوف يمثل انتصاراً باهراً لأحسن ما في الإنسان على أسوأ ما فيه، ويمنح الإنسانية الأمل في مستقبل يسود فيه العدل والأمن والحياة الكريمة على الظلم والخوف والفقر».... يمكن أن نكتب في صفحات عن دور دول مثل المملكة العربية السعودية في الرفع من دور المنظمة الأممية في مجالات متعددة خاصة في موضوع الساعة ألا وهو كيفية محاربة الإرهاب، ولكن المنظمة الأممية كمنظمة دولية هل تشتغل بنفس السرعة التي يسير عليها زماننا؟ لا أظن ذلك. إصلاح الأمم المتحدة من المواضيع الحساسة والصعبة التي تؤرق المشتغلين في العلاقات الدولية والمتتبعين للأحداث المتسارعة في الساحة الدولية. فهاته المنظمة الأممية أنشئت سنة 1945 وبني هذا الإنشاء على علاقات القوة الموروثة من الحرب العالمية الثانية التي جعلت من الدول الخمسة الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا) تتوفر على حق النقض «الفيتو» الذي يمكن أن تستعمله متى تشاء وحسب معاييرها الاستراتيجية الخاصة بها بل وفي بعض الأحيان حسب مزاجها الدبلوماسي الخاص. وبعد سنة 1945 حصلت تطورات جيوستراتيجية متعددة يمكن أن تكتب في الآلاف من كتب التاريخ وكتب العلاقات الدولية دون أن يصاحب ذلك أي تطور أو إصلاح ملموس لميثاق الأمم المتحدة. عند تأسيس الأمم المتحدة سنة 1945، كانت هناك فقط 51 دولة عضوة، أما اليوم فهذا العدد يتعدى المائتين، بمعنى أن الأمم المتحدة هي اليوم منظمة عالمية بامتياز، وكان حري بميثاقها أن يتطور تبعا للمستجدات التاريخية كنهاية الحرب الباردة بين العملاقين النوويين، الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية، وكتوزيع جديد لمفهوم القوة على الصعيد الدولي، لم تعهده البشرية من قبل... وهذا الكلام يعني أن التركيبة الحالية لمجلس الأمن وأن مبدأ حق النقض «الفيتو» المتوفر لدى خمس دول لم يعد مستساغا. فما ذنب الشعب السوري الذي استعمل في حقه السلاح الكيميائي المحرم دوليا وعالميا وإنسانيا وأخلاقيا وتأتي دولة ذات العضوية الدائمة فتشهر ورقة الفيتو ضد أي تدخل.... وما ذنب الفلسطينيين الذين تستعمل ضدهم الولايات المتحدة الأمريكية المئات من الفيتوات كلما تعلق الأمر بمذبحة إسرائيلية أو إدانة لإسرائيل!!! كانت هناك محاولات عديدة لإصلاح الأمم المتحدة في عهد أمينيه السابقين يوسف بوطرس غالي وكوفي عنان ولكنها باءت بالفشل الذريع، لأن الإشكالية التي تطرح تكمن في ضرورة «التمثيلية المتوازنة» داخل الأمم المتحدة. وهاته الإشكالية كلما طرحت إلا وخرجت إلى الوجود العديد من التساؤلات والإرهاصات التي توقف في المهد كل المحاولات الإصلاحية: فما معنى التمثيلية المتوازنة؟ وكيف يعقل أن تبقى الدول الخمسة التي خرجت فائزة من الحرب العالمية الثانية الممثلة الشرعية للأمم؟ وماذا عن تغير مفهوم القوة؟ وعن القدرات العسكرية؟ وهل يبقى مبدأ «العضو الدائم» مقبولا في عصرنا هذا حيث إن الديمقراطية العالمية تفرض عكس هذا التوجه تماما إذا أردنا أن نطبقه في العلاقات بين الأمم؟ ثم إن أية محاولة إصلاحية جادة لميثاق الأمم المتحدة تصطدم بالمادة 108 من هذا الميثاق التي تقول: «التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء «الأمم المتحدة» إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدق عليها ثلثا أعضاء «الأمم المتحدة» ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وفقا للأوضاع الدستورية في كل دولة. « بمعنى أن أي إصلاح مع وجود هاته المادة صعب بل غير ممكن مادام أن ذلك سيبقى خاضعا لحق النقض للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. فلا أخال دولة من الدول الخمسة الدائمة العضوية مستعدة لترك كرسيها لدولة أخرى مهما كان الثمن. ثم إن الدول البارزة التي تطالب منذ وقت بعيد بعضوية دائمة داخل مجلس الأمن (ألمانيا، اليابان، الهند، البرازيل، ودول أخرى) غالبا ما تتبعها ترشيحات مشروعة من دول أخرى: فترشح الهند، يثير باسم التساؤل التالي (لماذا لا أكون أنا مكانها؟) ترشح باكستان؛ كما أن ترشح دولة المانيا يثير لعاب إيطاليا وترشح اليابان غضب الصين. فالمزايدات ونوعية النظام الدولي تجعل كل المقترحات صعبة التحقيق، زد على ذلك ما يحكيه الدبلوماسيون المتمرسون داخل أروقة الأمم المتحدة من تواجد بيروقراطية أممية يتدخل فيها فاعلون كثر من موظفين دوليين ودبلوماسيين وسياسيين ورؤساء جماعات الضغط ومنظمات غير حكومية ومستثمرون عالميون ووسطاء من كل جانب. فاستعمال المال وتحويل السياسات ليس بالأمرالغريب كما يكتب فيليب مورو دوفارج Philippe Moreau Defarges خاصة وأن الأمم المتحدة يناط بها عمليات التدخل العسكري وعمليات السلام وفرض العقوبات على دول ومناطق مختلفة في العالم.... ثم إن أمريكا تعتبر الأمم المتحدة ابنها الشرعي ولكنها في كثير من الأحيان تعتبر المنظمة ابنا عاقا. وكلنا نتذكر أزمة العراق لسنوات 2002 و2003 والتي أفضت في النهاية إلى نوع من الحذر تبديه أمريكا تجاه الأمم المتحدة، إذ كانت أمريكا وبريطانيا تبحثان على غطاء أممي للتدخل عسكريا في العراق ولكنها أصيبت بصدمة وذهول شديدين لمعارضة فرنسا القوي، التي هددت باستعمال حق النقض؛ فوقع التدخل بدون تغطية قانونية لأمريكا وهو ما اعتبر في حينه إهانة قاسية لسياسة أمريكا الخارجية وهيبتها الدولية وخلص كل مستشاري الرئيس الأمريكي آنذاك إلى أن الأمم المتحدة تشكل عقبة قانونية.. إصلاح الأمم المتحدة أمر صعب جدا ولكن ليس بالمستحيل؛ ويبدو لي من خلال قراءة التاريخ لما بعد الحرب العالمية الثانية خاصة أحداث الأشهر القليلة الماضية التي تتسارع بطريقة عجيبة، كتأثيرات الأزمة الأوكرانية على مستقبل النظام العالمي، وكالتحالف الدولي لما يزيد على 40 دولة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أن إصلاح الأمم المتحدة يبقى رهينا برغبة الدول الثلاثة الكبرى: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، فهاته الدول مجتمعة ستظل الركائز الأساسية لأية رغبة في الإصلاح، كما أنه يبقى رهينا بالرغبة المشتركة لدول الجنوب واجتماعها على البلدان التي يمكن أن تمثلها بصفة دائمة داخل مجلس الأمن. الحكامة الدولية صعبة الممارسة والتطبيق والتأصيل ولكن تطويرها أمر لا مفر منه، والأمم المتحدة رغم ما يمكن أن يكتب أو يقال هو المكان الوحيد لتفعيل هاته الحكامة الدولية والتي عليها أن تأخذ بعين الاعتبار التوازنات الدولية الجديدة واحترام المبادئ الديمقراطية.