في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً فقال: أيّ آية؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (3) سورة المائدة. فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بعرفة يوم جمعة. أعياد المؤمنين في الدنيا: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لأهلها يومان يلعبان فيهما، فقال: إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما يوم الفطر والأضحى. فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد: عيد يتكرر كل أسبوع وعيدان يأتيان في كل عام مرة من غير تكرر في السنة. عيد النحر: والعيد الثاني: عيد النحر، وهو أكبر العيدين وأفضلهما، وهو مترتب على إكمال الحج، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم وإنما يكمل الحج بيوم عرفة والوقوف فيه بعرفة، فإنه ركن الحج الأعظم، كما قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم الحج عرفة. عرفة والعيد: يوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق الله فيه من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أمصارهم من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده، لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة، وإنما لم يشترك المسلمون كلهم في الحج كل عام رحمة من الله وتخفيفاً على عباده، فإنه جعل الحج فريضة العمر لا فريضة كل عام. فإذا كمل يوم عرفة وأعتق الله عباده المؤمنين من النار اشترك المسلمون كلهم في العيد عقب ذلك وشرع للجميع التقرب إليه بالنسك وهو إراقة دماء القرابين، فأهل الموسم يرمون الجمرة فيشرعون في التحلل من إحرامهم بالحج ويقضون تفثهم ويوفون نذورهم ويقربون قرابينهم من الهدايا ثم يطوفون بالبيت العتيق، وأهل الأمصار يجتمعون على ذكر الله وتكبيره والصلاة له، ثم ينسكون عقب ذلك نسكهم ويقربون قرابينهم بإراقة دماء ضحاياهم، فيكون ذلك شكراً منهم لهذه النعم. وقد قيل: إن الصلاة والنحر اللذين يجتمعان في عيد النحر أفضل من الصلاة والصدقة اللذين يجتمعان في عيد الفطر. وفي كل خير وبركة. أعياد أهل الموسم: ولما كان عيد النحر أكبر العيدين وأفضلهما ويجتمع فيه شرف المكان والزمان لأهل الموسم كانت لهم فيه معه أعياد قبله وبعده، فقبله يوم عرفة وبعده أيام التشريق، وكل هذه الأعياد أعياد لأهل الموسم، كما في الحديث (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب). ولهذا لا يشرع لأهل الموسم صوم يوم عرفة لأنه أول أعيادهم وأكبر مجامعهم وقد أفطره نبي الهدى عليه الصلاة والسلام بعرفة والناس ينظرون إليه. ختاماً أقول: يا مَنْ فاته في هذا العام الحج والقيام بعرفة، فلتقم لله عزّ وجلّ بحقه الذي تعرفه.