×
محافظة المنطقة الشرقية

انطلاق ملتقى الإعلام الإلكتروني "التطلعات والتحديات" .. بعد غد

صورة الخبر

افتقدت ثورة السوريين، منذ بداياتها، مرجعية سياسية ومفهومية وحزبية، إذ عرفت بأنها حالة ثورية عفوية، أو بمثابة حالة انفجارية، يفسرها اجتماع القهر والغضب والتوق للخلاص، عند معظم السوريين، كما تفسرها عقود من المحو والتهميش، واحتكار السياسة والسلطة والمجال العام من قبل النظام. هذا الوضع سيفسّر، أيضاً، التطورات الحاصلة في ما بعد، وضمنها صعوبة انتظام السوريين في هيكلية سياسية معينة، وتعذّر خضوعهم لمرجعية فكرية محددة، واختلافهم على كل شيء، وتالياً تقوّض ادراكاتهم لذاتهم وتفرّق دروبهم في صراعهم مع نظامهم وفي ما يخص اجتهاداتهم حول مستقبلهم، على رغم كل الأهوال التي أحاقت بهم، وما زالت. طوال الأعوام الماضية، واجه السوريون اختبارات عدة، ربما كان أولها ما يتعلق بطبيعة الثورة، أو الطريق الأنسب للتخلص من النظام، وهو ما تم حسمه بتغليب الشكل العسكري على غيره من الأشكال الكفاحية، الشعبية او المدنية. وبغض النظر عن اعتبار ذلك بمثابة رد فعل على انتهاج النظام لأقصى اشكال العنف ضد السوريين، وثورتهم، إلا أن هذا التحول لم يحدث بنتيجة تطور تدريجي في عمل الثورة، ولا بنتيجة وعي ذاتي، وإنما بدفع من أطراف خارجية. وبالمحصلة فإن هذا الأمر، بغض النظر عن ضرورته، من عدم ذلك، لم يلق اجماعاً من النشطاء الفاعلين في الثورة، أو محركيها في عامها الأول، كما اثر بطريقة سلبية على نظرة مختلف مكونات المجتمع السوري لها، سيما ان الأمر لم يتوقف فقط على العسكرة، وتركيز المواجهة ضد النظام، وإنما كانت له ارتدادات أخرى. لا تتعلق المسألة هنا بالمفاضلة بين الثورة الشعبية السلمية والثورة المسلحة، لأن الثورة السلمية لا يمكن ان تنجح في سورية، أيضاً، لسبب بسيط مفاده ان النظام يعتبر البلد بمثابة مزرعة خاصة، فهذه بالنسبه له «سورية الأسد إلى الأبد»، ولا مكان فيها لمفهوم الشعب، ولا للسياسة، والطريق الوحيد المعتمد عنده لمواجهة الخروج على هذه المعادلة هو انتهاج اقصى العنف والقمع. وقد نتج من ذلك مصرع حوالى 500 شخص في الشهر الواحد، في الأشهر الثماني الأولى من الثورة السلمية، برصاص أجهزة الأمن والشبيحة. ومعلوم أن هذا العدد ارتفع بعدها الى 2000 ثم إلى 4000 شهرياً، مع استخدام النظام للقصف من المدفعية والطائرات، بحسب معطيات «مركز توثيق الانتهاكات في سورية» (www.vdc-sy.info). اذاًً الأمر هنا يتعلق تحديداً بكيفية العمل في ظل غياب الشروط المناسبة للثورة، سلمية او مسلحة، وخلق الظروف التي تسمح بمراكمة تلك الشروط والامكانات والخبرات، للتحول المتدرج من مستوى معين إلى غيره. وعلى سبيل المثال، فإن الثورة التي لا تستطيع تنظيم عصيان مدني، أو فك علاقة مجتمعها بأجهزة النظام/الدولة لا يمكن لها التحول دفعة واحدة الى ثورة مسلحة. الأهم من ذلك أن الدفع نحو الثورة المسلحة جرى بدفع خارجي، وبوعود سخية بالدعم، وهو ما لم يحصل، بل إن هذين، أي الدفع المبكّر والمتسرع، وغير المدروس، نحو العسكرة، ومحدودية الدعم المالي والتسليحي، أديا إلى تعميق ارتهان ثورة السوريين بالداعمين الخارجيين، وتالياً الاشتغال وفقا لأجندتهم السياسية، ما أضر بالثورة وبالمجتمع السوريين. طبعاً هذا الكلام لا علاقة له بالتشكيلات المسلحة التي انبثقت نتيجة الانشقاق من الجيش النظامي لرفضها الأوامر، ولا بجماعات الحماية المحلية في بعض قرى واحياء المدن، والتي فرضتها ردود الفعل، على عنف النظام، وانما يخص الجماعات التي جرى تفريخها بدعم خارجي، ووفق اجندة معينة لا تراعي إمكانات السوريين، ولا درجة تطور ثورتهم وخبراتهم. وقد انبثق من المعطى السابق، أي التعويل على الثورة المسلحة، وتالياً على الدعم الخارجي، توهم إمكان استجلاب تدخل دولي وإقليمي في الشأن السوري، حتى أن ثمة يوماً أطلق عيه اسم «جمعة التدخل الخارجي». في هذا الإطار لا نقلل من الإشارات التي وجهتها بعض الدول، في إشاعة هكذا وهم، وقيام سفراء دول اجنبية بزيارة المتظاهرين في ساحات الاعتصام في حماة وحمص، وتصريحات رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة التركية وقتها، والرئيس حالياً، بأن حلب خط أحمر، وانه لن يسمح بتكرار تجربة حماه. بيد أن كل ذلك لم يتحقق منه أي شيء، لا حظر جوي ولا إيجاد مناطق امنة، ولا دعم تسليحي مناسب، لوقف الغارات الجوية المدمرة على الأقل، وبالعكس فقد اعطي النظام فرصة لتدمير البيئات الشعبية الحاضنة للثورة، وتهجير ملايين السوريين. والفكرة هنا أن «الدول الصديقة»، اجنبية او عربية، لم تفعل شيئاً لوقف مأساة السوريين، وإنقاذهم، وان الطبقة السياسية المتحكمة بالثورة السورية ظلت على مراهناتها، ولم تراجع مسارها على ضوء هذا الخذلان الخارجي. ومن الواضح ان هكذا مراهنة ادخلت الثورة في حسابات ودفعتها إلى انتهاج استراتيجيات تفوق قدرتها على التحمل، وأكبر من امكاناتها، الأمر الذي اوقعها بمشكلات عديدة، دفع ثمنها السوريون باهظاً، من عمرانهم واستقرارهم ومن سلامة مسار ثورتهم، وهذا ينسحب حالياً على الاضطراب في الموقف من الضربات الجوية الموجهة ضد داعش. ايضاً في الاختبار المتعلق بظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة، العنيفة والتكفيرية، بدا ان ثمة تضعضعاً في اجماعات السوريين، إذ هناك من اعتبر هذه الجماعات جزءا من معسكر اسقاط النظام، وثمة من رأى فيها، نبتا غريباً عن السوريين، وعن ثورتهم ومعتقداتهم، وأنها تشكل خطراً على سورية المستقبل والبيئات الشعبية الحاضنة للثورة، كما بينت ممارساتها في المناطق التي تسيطر عليها. في الغضون يبدو ان البعض نسي، في غمرة حماسه لإسقاط النظام، أن هذه الجماعات لا تعترف بالثورة، ولا تحسب نفسها عليها، ولا تقاتل النظام بسبب الاستبداد والفساد، وقضايا الحرية والديموقراطية، وانما لأسباب أخرى، ذات طبيعة دينية وطائفية. وقصارى القول، يبدو أن ثورة السوريين باتت اليوم، في مظهرها الأغلب، خارج السياسة، وفي إطار الصراع الهوياتي والديني، وهو اكثر شيء يضر السوريين وثورتهم ومستقبلهم، وأكثر شيء يفيد النظام، وهو الأمر الذي يفترض بهم العمل على مواجهته وتصحيحه. * كاتب فلسطيني - سوري