جاء اللقاء الذي عقد بين البطريرك الماروني بشارة الراعي وزعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري في روما ليؤكد انهما على تفاهم تام، وقبل أن يلتقيا، حول ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل أي شيء آخر وبالتالي ليسا على استعداد للتخلي عن أولوياتهما في خصوص الرئاسة الأولى. وتؤكد مصادر سياسية مواكبة للأجواء التي سادت اجتماعهما انه لم يكن يهدف الى توفير غطاء للتمديد الثاني للبرلمان طالما انهما يشددان ومنذ فترة طويلة على أن لا همّ لديهما حالياً سوى تهيئة الظروف لانتخاب رئيس لقطع الطريق على إسقاط لبنان أو سقوطه في المجهول. وتلفت المصادر نفسها لـ «الحياة» الى ان الراعي لم يترك مناسبة إلا شدد فيها على وجوب انتخاب الرئيس قبل أي عمل آخر، معتبراً ان إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية خطوة تفتقر الى الشرعية وتؤكد ان مجلس المطارنة الموارنة في اجتماعه الأخير تبنى موقفه من دون أي تردد. وتضيف ان مجرد موافقة الراعي على إعطاء الأولوية للانتخابات النيابية على أي استحقاق آخر بحجم انتخاب الرئيس يعني انه مع تهميش دور الموارنة ومن خلالهم المسيحيين في الحياة السياسية وصولاً الى إخراجهم من قواعد اللعبة الداخلية. وتؤكد ان لإصرار الراعي على تجديد موقفه من روما أكثر من معنى سياسي وروحي، لا سيما انه ذهب بعيداً في تصعيد موقفه بقوله في عظة الأحد الماضي إن الإخفاق في انتخاب رئيس هو وصمة عار في جبين نواب الأمة الذين يتوجب عليهم القيام بواجبهم التشريعي الذي ينتظم بوجود رئيس للجمهورية. وتسأل المصادر كيف تمكن حماية المسيحيين في الشرق عموماً وفي لبنان خصوصاً في وقت يتعذر فيه انتخاب الرئيس، وتقول ان الدعوات الى حمايتهم لن تصرف في مكان ما لم تقترن بإنجاز الاستحقاق الرئاسي. وتعتبر ان توافق الراعي والحريري على اعطاء الأولوية لانتخاب الرئيس لا يأتي في سياق التفاهم على صفقة ثنائية بينهما بمقدار ما انهما يريان ان تعذر انتخابه سيخل بانتظام الحياة السياسية من خلال المؤسسات الدستورية. وتتابع المصادر ان موقف الحريري لجهة إعطائه الأولوية لانتخاب الرئيس ليس مستجداً وكان سبق له ان شدد على وجوب انتخابه، وأكد ان «المستقبل»، مع انه قدم مرشحيه لخوض الانتخابات النيابية، سيبادر الى سحب مرشحيه ومقاطعة هذه الانتخابات ما لم يسبقها انتخاب الرئيس أولاً. وتؤكد المصادر عينها ان من يدير ظهره لانتخاب الرئيس ويدعو في الوقت نفسه الى اجراء الانتخابات النيابية يريد ان يغامر بالتركيبة السياسية للبلد وهو يعرف أن انتظام عمل المؤسسات الدستورية لن يكون في الهروب الى الأمام من الاستحقاق الرئاسي، سواء من خلال المزايدة الشعبوية أو عبر وضعه سيناريو غير قابل للتطبيق ينطلق من ان الانتخابات النيابية ستمهد الطريق أمام انتخاب الرئيس. وتستغرب المصادر ما أشيع عن ان الراعي والحريري بحثا في لائحة تتضمن أسماء عدد من المرشحين للرئاسة الأولى وتؤكد ان من سرب مثل هذه الإشاعات يريد التشويش على الأجواء التي سادت اجتماعهما. وتعزو استبعاد بحثهما في الأسماء الى ان ملف الرئاسة لا يزال في المربع الأول طالما ان رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لا يزال يقول «أنا أو لا أحد». الاسم التوافقي لا يزال متعذراً وتضيف ان الانتقال الى المربع الثاني الذي يمكن ان يفتح الباب أمام البحث في اسم توافقي لرئاسة الجمهورية لا يزال متعذراً طالما ان قوى 8 آذار تصر على ترشح عون وهذا ما أظهرته مواقفها الأخيرة الرافضة المبادرة التي أطلقها رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة بإسم قوى «14 آذار» وتبدي فيها استعدادها للبحث عن مرشح توافقي. وترى ان اللقاء الأخير بين الحريري ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لم يحمل أي جديد وكان بمثابة جولة أفق تخللها عرض لوجهات النظر في كل القضايا المطروحة، اضافة الى الوضع في المنطقة. لكن المصادر تعتبر أيضاً أن الراعي والحريري تلاقيا مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري من دون أن يلتقيا. وتقول انهم بدأوا يقرأون في كتاب واحد، وأن الأخير لم يترك مناسبة إلا أكد فيها انه يؤيد انتخاب الرئيس قبل الانتخابات النيابية ويرفض اجراء النيابية في حال قاطعها مكون أساسي في البلد ورفض الترشح لخوضها في موعدها المحدد. وتضيف ان مواقف بري، بالتناغم مع موقفي الراعي والحريري، ستساعد في تعبيد الطريق أمام التمديد الثاني للبرلمان في جلسة تشريعية تعقد فور انتخاب أعضاء مكتب المجلس وأعضاء اللجان النيابية ورؤسائها ومقرريها، خصوصاً لجهة ازالة «الألغام» السياسية التي تعترض التمديد أو التخفيف في مطلق الأحوال من الحشد النيابي المعترض عليه. وفي هذا السياق، تتعامل المصادر مع موقف الراعي من الانتخابات النيابية على انه لا يشكل ذريعة لبعض الكتل لتعيد النظر في موقفها المؤيد إجراء الانتخابات في موعدها فحسب بمقدار ما يوفر الغطاء الذي يتيح لها اعادة النظر في موقفها في اتجاه تبني موقف بكركي. ولم تستبعد ان يقتصر التصويت ضد التمديد للبرلمان على النواب الأعضاء في «التيار الوطني الحر» من دون أن يشمل الآخرين المنتمين الى «تكتل التغيير والإصلاح»، وتقول ان زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية الحليف للعماد عون قد لا يؤيد التمديد لكنه لا يمانع حصوله. وتنقل هذه المصادر عن جهات قيادية في «المردة» تساؤلها لماذا سيقاطع حزب «الكتائب» جلسة التمديد ويمتنع حزب «القوات» عن تأييدها وهما كانا من أبرز مؤيدي التمديد الأول للبرلمان؟ وهل التمديد الثاني غير دستوري بينما الأول كان دستورياً بامتياز؟ وتضيف الجهات القيادية هذه: «اذا كانت الظروف الأمنية والسياسية هي التي استدعت التمديد الأول، فإن الظروف الراهنة أكثر تعقيداً وهذا من شأنه ان يسقط الأعذار التي يستند اليها من يعارض التمديد ولا يشمل هذا الكلام العماد عون الذي صوّت ضده في السابق». وتعود المصادر الى التأكيد ان «حزب الله» سيصوت الى جانب التمديد في ضوء اللقاء الأخير بين أمينه العام السيد حسن نصرالله ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي لم يدعُ الى التمديد لو لم يكن متناغماً مع بري. وترى أيضاً ان حزب «الطاشناق» الحليف لعون لن يكون بعيداً عن الكتل النيابية المؤيدة التمديد بذريعة انه أيد التمديد في السابق بالتنسيق مع بري و «حزب الله» و «المردة» مع ان قراره النهائي يتوقف على اجتماع قريب للجنته المركزية سيخصص لاتخاذ الموقف الذي ينسجم فيه الحزب مع حلفائه. لذلك، فإن قول الراعي أمام الحريري إنه ليس في وارد ان يسمح بأي شيء قبل أن يصار الى انتخاب الرئيس، سيشكل بحد ذاته أسباباً تخفيفية لمن يدرس حالياً اعادة النظر في موقفه بإعطاء الأولوية للرئاسية لا للنيابية». وعليه، فإن تظهير التمديد للبرلمان من خلال تشريعه في جلسة لهيئته العامة سيفتح الباب أمام الحريري لإطلاق مبادرة من نوع آخر يمكن ان تساهم في فتح كوة في الحائط السياسي المسدود للخروج من المأزق المترتب على تعذر انتخاب الرئيس على ان يمهد لها - كما تقول أوساطه - بجولة من المشاورات يجريها مع حلفائه والأطراف الآخرين. وتتوقع ان تشكل خرقاً للجمود السياسي المسيطر على البلد... بعد ان تفاهم مع الراعي على «خريطة طريق» تتعلق بأولوية الرئاسة على أي شيء آخر.