قبل أسابيع تداول الناس فيما بينهم فيديو لرجل مصاب بداون سيندروم، عمد أهله إلى تزويجه فأنجب عددا من الأولاد الذين أشرف أهله على تربيتهم حتى كبروا واستقلوا بحياتهم، ولا أدري لم رأى البعض نشر الفيديو بين الناس كأنهم يريدون القول إن تزويج المعاقين ذهنيا أمر جيد ومرغوب!! قضية تزويج المعاقين ذهنيا قضية شائكة، فمن جهة يظل المعاق في ذهنه بشرا له احتياجات غريزية كغيره من بني البشر، لكنه من جهة أخرى، هو لا يملك القدرة العقلية التي تمكنه من تكوين أسرة والقيام برعايتها والوفاء بواجباتها. فما الموقف من زواجه؟ هل يعان على الزواج أو يمنع منه؟ وإذا أعين على الزواج هل يكون زواجه مطلقا أم مقيدا بعدم الإنجاب، ليس خوفا من انتقال إعاقته إلى الأبناء فبعض الإعاقات غير وراثية، وإنما لعجزه عن رعاية أبنائه، وفي الوقت نفسه فإن المعاق لا يعني له الإنجاب شيئا أساسيا، فغريزة الأبوة لدى المعاقين ضعيفة؛ وذلك من لطف الله بهم لكونهم غير قادرين على الوفاء بمسؤولية رعاية الأطفال وتربيتهم. الأمر الآخر، كيف يكون اختيار الشريك، هل تترك له الحرية ليختار من يشاء أم يختار له؟ ومن هو الشريك المناسب؟ هل هو السليم عقليا أم المعاق مثله؟ كل هذه النقاط ترد عند مناقشة قضية زواج المعاق ذهنيا، ومن الصعب البت فيها أو إطلاق حكم موحد بشأنها. خاصة أن درجات الإعاقة تختلف في حدتها من مصاب لآخر، وكذلك ردود أفعال وتصرفات المعاقين ذهنيا تختلف فيما بينهم، فبعضهم يكون خطيرا ويتعذر العيش معه كالمصابين بالانفصام، وبعضهم يكون هادئا ومسالما، بل طيبا في براءة الأطفال كما هو حال المصابين بداون سيندروم، إلا أنه في المحصلة النهائية نجد أن المعاق ذهنيا مهما كان نوع إعاقته الذهنية، لا يمكن له رعاية نفسه واتخاذ قرارات مصيرية في حياته، فهو في حاجة مستمرة إلى من يرعاه ويشرف عليه ويحمل مسؤوليته، فكيف يتزوج ويكون أسرة؟ زواج المعاقين عقليا لا يتوقف عند علاقة الزوجين ببعضهما، وإنما يمتد أثر الزواج إلى من ينجبانهما من الأولاد، خاصة متى كان الأبوان كلاهما معاقين ذهنيا، ففي مثل هذه الحال من سيربي الأولاد ويشرف عليهم ويرعاهم، وإذا كنا نجد بين ذوي العقول السليمة من يسيء إلى أولاده ويبخسهم حقوقهم في أمور كثيرة فما بالك بالمعاقين ذهنيا الذين هم أنفسهم في حاجة إلى من يرعاهم ويشرف عليهم ويراقب تصرفاتهم؟! أليس في تزويجهم تعريض للمجتمع لتزايد أعداد الأطفال المهملين والمشردين والمنحرفين؟ وعلى افتراض أن أحد الزوجين سليم، فإن ذلك لا يضمن سلامة البيئة الأسرية التي ينشأ فيها الأطفال، فغالبا عندما تتزوج إمراة سليمة من معاق ذهنيا هي لا تفعل ذلك باختيارها وإنما مرغمة في مقابل حصول الأهل على ثروة كبيرة أو صغيرة، ولنا أن نتخيل أي حياة ستعيشها تلك المرأة مع معاق ذهنيا لم تختار بنفسها الارتباط به؟ وكذلك حين يتزوج الرجل السليم إمراة معاقة ذهنيا، فإنه غالبا لا يفعل ذلك إلا مضطرا لحاجة وقتية، وقد يسيء معاملتها مستغلا ضعفها الذهني فتحيا معه حياة تعيسة.