×
محافظة المنطقة الشرقية

اجتماعي/ مركز المزروعية ببر الأحساء يدرب 30 يتيماً على فنون تغليف الهدايا

صورة الخبر

اعتذرت عن تلبية دعوة من إحدى القنوات التلفزيونية للتعليق على لقطة مرعبة انتشرت على اليوتيوب يتم فيها تعذيب طفل رضيع لايتجاوز عمره ثلاثة أشهر. لم تكن هذه هي الدعوة الوحيدة التي اعتذرت عنها خلال الشهور القليلة الماضية للتعليق على قضايا عنف ضد الأطفال، واعتذاري ليس لأنه ليس لدي شيء أقوله، فهناك الكثير جداً مما يمكن أن يقال، ولكني اعتذرت لأني شعرت بالضعف والعجز كما لم أشعر به يوماً من قبل. نعم، اعتذرت لأني ضعفت وعجزت وفشلت عن إحداث أي تغيير يذكر للحد من قضايا العنف ضد الأطفال وذلك على مدى أكثر من عشر سنوات من الاهتمام بتلك القضايا أصابتني بما يشبه اليأس والإحباط. كثيرة جداً هي قصص إيذاء الأطفال التي آلمتني طوال تلك الفترة، ولكن تعذيب رضيع بأسلوب “الفلكة” والاستمتاع بتصويره يبكي من الألم هو فوق الاحتمال بكل معنى الكلمة، والأشد قسوة وإيلاماً هو أن يستمر مسلسل قصص تعذيب الأطفال عاماً بعد عام دون أن تصل رسالة قوية وواضحة للمجتمع بأن أي إساءة وإيذاء للأطفال سوف تواجه بأشد عقوبة حتى لو كان من قام بها هو أحد والديه. والأهم من كل ذلك هو غياب وجود أي دراسات أو بحوث جادة لتشخيص أسباب نزعة العنف في المجتمع بهذا الشكل. قبل أكثر من سنة كتبت مقالاً بعنوان “عذراً راكان، عذراً لمى على قسوة قلوبنا” أجدني اليوم مضطراً لتكرار كثيراً مما قلته فيه بدءاً من مأساة الطفل راكان الذي تشوه جسده النحيل بكامله جراء الحروق والتعذيب البشع الذي مارسه بحقه من يفترض أن يكونوا أكثر الناس رحمة به وهما أمه وأبوه. تذكرت فيه أيضاً أني بكيت قبل حوالي عشر سنوات عندما شاهدت أباً يضرب ابنه بقسوة في الشارع دون التمكن من فعل شيء لمساعدته.. تذكرت كيف أنني بكيت بحرقة قبل أكثر من سبع سنوات بعد مقتل الطفلة غصون تعذيباً على يد والدها وزوجته. ثم بكيت مرات سنة ٢٠٠٨ وهو العام الذي يمكن وصفه بعام الرعب، حيث شهد وحده مقتل الأطفال أريج وشرعاء وسارة جراء التعذيب الوحشي، وقيام أب في نجران بتعذيب طفله ابن الثالثة بالسوط والحرق بالنار حتى الموت. وأمام كل هذه القصص المأساوية أصدر مجلس الوزراء في ١-١٢-٢٠٠٨ قراراً يطالب وزارة الشؤون الاجتماعية بإيجاد حل سريع للمشكلة. خمس سنوات مرت بعد القرار أحصيت خلالها ٩ حالات قتل لأطفال نتيجة التعذيب منهم كلثوم وبيان وروزان ولمى. وهذه كانت فقط بعض الحالات التي نتج عنها موت الطفل وتحول موضوعه لقضية رأي عام، أما الحالات التي بقيت حبيسة الجدران وتشمل كافة صنوف الإيذاء الأخرى كالإيذاء الجسدي والنفسي والجنسي والإهمال فهي لا تعد ولاتحصى، والله وحده العالم كم منها انتهى أو سينتهي بلفظ الضحية لأنفاسها بصمت دون أي ضجيج وحساب. لاشك أن هناك أحكاماً قضائية هامة للغاية صدرت بحق بعض الجناة، مثل أحكام إعدام قتلة غصون وبيان وأريج. ولكن الرضا والإشادة بتلك الأحكام لا ينبغي أن يجعلنا نغفل حقيقة أن جميع تلك القصص المأساوية بدأت أصلاً كقضايا عنف أسري عادية وصلت للجهات المختصة وتم التهاون في علاجها وحسمها حتى تطورت إلى جرائم أزهقت حياة أولئك الأطفال وكان بالإمكان تلافيها. هل يمكننا القول بأن هذه الجرائم هي ممارسات فردية لاتصل إلى حد الظاهرة، وأنها أمور طبيعية يمكن أن تحدث في أي مجتمع آخر؟، الإجابة هي قطعاً لا، لأن في ذلك استهانة بحجم المشكلة وتهرباً من مواجهة أسبابها الحقيقية ألا وهي وجود نزعة عنف سائدة في المجتمع يمكن رؤيتها حولنا في كل مكان.. في القيادة العدوانية في شوارعنا وفي قضايا العنف الأسري المختلفة وفي لقطات تعذيب الحيوانات على اليوتيوب وفي انخفاض درجة التسامح بين الناس. كل هذه قد تكون أسباباً وقد تكون مجرد أعراض لمشاكل أخرى تستلزم البحث والدراسة. هذه الجرائم ليست أموراً بسيطة عابرة، فمن قاموا مثلاً بحرق ثعلب حتى الموت ومن قاموا بجلد رضيع سيقومون دون أدنى شك بجّز رأس إنسان على طريقة داعش بكل يسر وسهولة لو أتيحت لهم الفرصة.