محمد حضاض - سبق - جدة: بعد أقل من 150 يوماً من الآن سيرتفع الأذان مجدداً من منارة مسجد الإمام الشافعي في جدة التاريخية بعد انتهاء أعمال الترميم الذي تكفل بنفقاته خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - وتشرف عليه هيئة السياحة والآثار؛ ليصبح الجامع تحفة معمارية فريدة، تفترش مساحة تتجاوز أكثر من 1200 متر مربع. وعند الانتهاء من تشييد وتأثيث هذا الجامع الفريد يكون نحو 60 عاملاً يشرف عليهم نحو 8 من أمهر المهندسين قد أمضوا أكثر من 4500 ساعة عمل في واحد من أهم المشاريع، وفي منطقة تاريخية فريدة، تخضع لإشراف منظمة التراث العالمي اليونسكو؛ إذ تم العثور على قطع أثرية نادرة جداً، ومجموعة من الآثار القيمة التي تم تسليمها لهيئة السياحة والآثار لوضعها في المتاحف المتخصصة. وينفق الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس هيئة السياحة والآثار الكثير من وقته في متابعة هذا المسجد؛ فلا يكاد ينقضي أسبوع إلا وله زيارة مفاجئة إلى هذا المسجد، وتجده يشارك العمال والمهندسين رحلة البناء. يقول مصطفى صبري، وهو أحد العاملين في المشروع من الجنسية المصرية: الأمير سلطان بن سلمان يتابع أدق تفاصيل المشروع، ويستمع لشرح دقيق عن كل مراحله، بل إنه يشارك معنا في عمليات البناء والتخطيط، وله إسهام بالغ في دفع عجلة المشروع وسيره وفق البرنامج الزمني. ويضيف عندما أشاهده يترجل من سيارته وينخرط في متابعة أعمال الحفر ومتابعة نصب الأساسات والقواعد أشعر بأن هذا الإنسان لديه حب وشغف كبير بالتراث، فكيف عندما يتعلق الأمر بإعمار بيت من بيوت الله. تاريخياً.. يعود تشييد المسجد إلى القرن الـ13 الميلادي، فيما يعد المسجد أحد أهم المواقع الإسلامية في جدة؛ إذ يحكي واقع الإسلام قبل 1400 عام، باستخدامه المواد التقليدية في عملية البناء، المكونة من: الطين البحري، الحجر المنقبي والأخشاب، وهي من المواد الأساسية التي كان سكان جدة يعتمدون عليها بحكم طبيعة الأجواء. أما المهندس سامي نوار رئيس بلدية جدة التاريخية فقال: إن تاريخ مسجد الشافعي يقع في حارة المظلوم بسوق الجامع، وهو أقدم مساجدها، ويعود إلى زمن الخليفة عمر بن الخطـاب، فيما كانت آخر عملية ترميم للمبنى قبل أكثر من 500 عام. وأوضح أن هيئة السياحة والآثار أمسكت بملف المسجد بعناية فائقة، وتولى الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز متابعة ملف المشروع لدى الجهات المختصة حتى صدر الأمر الكريم بتكفل خادم الحرمين الشريفين بنفقات بناء المسجد على أحدث الطرز المعمارية الإسلامية. المهندس مجدي جزولي من الشركة المنفذة للمشروع قال: إن ساعات العمل الطويلة التي أمضاها الفريق المختص في التنقيب تُعد قياسية نظراً لما عثر عليه أثناء التنقيب من آثار قيمة، فضلاً عن عمليات الإنشاء الدقيقة والمقاسات بالغة الدقة؛ ليحافظ المسجد على شكله القديم ونقوشه الإسلامية الفريدة؛ ليكون واجهة مشرفة تعكس العمارة الإسلامية الفريدة. وأضاف بأن هيئة السياحة والآثار بكامل طاقمها، وبإشراف مباشرة من رئيسها الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، تتابع عمليات التنقيب عن الآثار والبناء والتشييد لحظة بلحظة؛ إذ وقف الأمير سلطان بن سلمان المسكون بحب التراث والآثار على المسجد وعملية بنائه أكثر من 20 مرة تقريباً، استمع فيها إلى شرح دقيق عن حركة المشروع ونموه، إلى جانب توجيهاته المشددة بضرورة ألا يتأخر المشروع عن برنامجه الزمني. وأوضح المهندس جزولي أن هناك مختصين في الآثار يقومون بعمل دراسة تاريخية مسحية لمسجد الشافعي قبل البدء في تنفيذ عملية الترميم، للمحافظة على الآثار والنقوش الموجودة داخله، مع الحذر من عدم تعرض المسجد لأضرار جانبية نتيجة عملية الترميم التي تعرض لها المسجد في حقبة ماضية، خاصة أن المكونات الأساسية للمسجد تعتمد على الجبس والرمل؛ لذا تتطلب أعمال الترميم دقة متناهية في التعامل مع هذا الموقع. وكان الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، قد أعلن أثناء زيارته لجدة التاريخية قبل عامين أن خادم الحرمين الشريفين تبنى ترميم أول مسجدين تاريخيين في جدة التاريخية، هما مسجد الشافعي ومسجد المعمار. والزائر للمنطقة التاريخية لمدينة جدة حالياً تستوقفه أعمال الترميم التي يشهدها مسجد الشافعي في حارة المظلوم إحدى حارات جدة القديمة، ويسمى لدى أهالي جدة المسجد العتيق، بجانب سوق الصاغة والفضيات القديم وصانعي النحاس، وإلى الشرق منه يوجد سوق النسيج والملابس المعروفة بسوق البدو، ليتحول المكان إلى ورشة عمل آلية وبشرية لترميمه. وكما أن لأمانة جدة وباقي مؤسسات الدولة جهداً كبيراً في متابعة سير المسجد فإن مؤسسة التراث الخيرية لها إسهامات كبيرة في هذا المشروع؛ إذ شاركت بفاعلية ومهنية عالية في جميع مراحل المشروع أثناء الدراسة، وحتى أثناء عمليات التنفيذ، من حيث الاستعانة بالخبراء المحليين والعالميين؛ ليخرج المشروع تحفة فنية تفوق الوصف.