عكفت الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، مؤخرا على تغيرات إستراتيجية على عدة أصعده ترأستها مبادرة خادم الحرمين الشريفين للتحول إلى "الاتحاد الخليجي"، وتزامنت معها إعادة هيكلة الأمانة العامة لمجلس التعاون، وتنفيذ مشروعات جماعية لتحقيق الرؤية الطموحة للاستثمار في العنصر البشري بهدف خدمة المواطن الخليجي والخروج بانجازات ترسخ مفهوم الأمن والرفاهية للمواطنين. الأمين العام الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني يتحدث في حوار خاص "مع الرياض"، عن جملة من الانجازات والطموحات التي تسعى الأمانة الى تحقيقها، فالى نص الحوار: * الى أين وصلت المشاورات بشأن الاتحاد الخليجي، وفق رؤية خادم الحرمين الشريفين؟ - كما هو معلوم فإن مبادرة خادم الحرمين الشريفين لقيت مباركة أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، وكان لها صدى ايجابي لدى مواطني دول المجلس. وقد قرر أصحاب الجلالة والسمو في قمة الرياض، تشكيل هيئة متخصصة من الدول الأعضاء لتدارس مرئيات الدول بشأن المبادرة، وقد رفعت الهيئة تقريرا شاملا الى اللقاء التشاوري الذي عقد في الرياض في مايو 2011م، حيث قرر المجلس الأعلى تكليف المجلس الوزاري بمتابعة دراسة مقترحات ومرئيات الدول. والمشاورات بين الدول ما تزال مستمرة على أن يتم بحثها في قمة تعقد في الرياض. تحقيق مبدأ المساواة التامة في السوق الخليجية المشتركة.. والمواطنون متساوون في المعاملة والإقامة والتنقل * الى أين وصلت جهود دول المجلس لتحقيق الشراكة الاستراتيجية مع كل من الأردن والمغرب؟ -الجهود المشتركة لتحقيق الشراكة الاستراتيجية مع المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية تسير حسب خطة العمل التي تم اقرارها من قبل المجلس الأعلى، والتي تشمل تعزيز التعاون مع البلدين الشقيقين في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية. وفرق العمل التي تم تشكيلها لهذا الغرض تواصل عقد اجتماعاتها الدورية من أجل اقرار البرامج التنفيذية اللازمة لتحقيق أهداف الشراكة الإستراتيجية مع البلدين الشقيقين. وهناك متابعة مستمرة من المجلس الأعلى والمجلس الوزاري لهذه الجهود المشتركة، وتوجيهات واضحة بضرورة تعزيز التعاون مع البلدين الشقيقين بما يحقق المصالح المشتركة. انتهاء مشروع الربط الكهربائي.. والأمن المائي تحت الدراسة.. ووضع التصاميم الفنية لمشروع السكك الحديدية * أعلنتم عن البدء في مشروع اعادة هيكلة الأمانة العامة، فكيف تم التعامل مع هذا المشروع الطموح؟ - إن أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس يولون اهتماما كبيرا للأمانة العامة والدعم الذي يقدمونه للأمانة كبير ومتواصل، لأنهم يؤمنون بأن أهم استثمار هو الاستثمار في العنصر البشري. إن مجلس التعاون منظمة إقليمية ذات أنشطة ومهام متعددة، ولابد من نظام متكامل قادر على إدارة اللجان وفرق العمل التي تفوق 400 لجنة وفريق عمل في كافة المجالات وتحضير أكثر من 700 اجتماع سنوياً وكذلك متابعة تنفيذ المشاريع وأنشطة العمل الخليجي المشترك لتحقيق أهداف المجلس بكل كفاءة. تم التعامل مع إعادة هيكلة الأمانة العامة بنظرة شمولية، بحيث تراعي تطوير الأمانة العامة في الجانب الاستراتيجي، والتصميم المؤسسي، وتصميم سياسات العمل، وتطوير منظومة الموارد البشرية وتقنية المعلومات. إن مشروع إعادة الهيكلة هو من أهم المشاريع التي أتولى إدارتها شخصياً وأتابع الأداء، لنتمكن من نقل المعرفة من بيت الخبرة إلى موظفي الأمانة العامة بحيث تستطيع الأمانة مواكبة التغييرات والتحديات في المستقبل بما فيها تقوية أدوارها، لذا تم الآن وضع الأوصاف الوظيفية واجراءات عمل متطورة وبرامج تدريب طموحة بما فيه التدريب العملي في منظمات مهمة مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. في الواقع، إن طموحات التطوير لا يجب أن يقيدها زمان أو برنامج عمل بعينه، بل يجب أن يكون التطوير عملاً مستمراً. ولذا فإننا نعمل على ترسيخ هذا المفهوم ضمن المعطيات التنظيمية للأمانة العامة، وقد بدأنا هذا العمل بإطلاق استراتيجية الأمانة العامة والتي تهدف إلى تحقيق "التميز" و"التأثير" و"المكانة" كأهداف استراتيجية للفترة من 2013م، وحتى 2015م، كخطة أولية لترسيخ مفهوم العمل الاستراتيجي والتميز في الأداء، كما يتم حالياً إعادة هندسة سياسات وإجراءات العمل بحيث تراعي الكفاءة والفعالية، بالإضافة إلى تطوير الكوادر البشرية وتقنية المعلومات. وقد تم إرساء مفهوم التطوير المؤسسي في الأمانة العامة ووضعه في سياق تطوير العمل المشترك وطموحات أبناء دول المجلس. * ماهي خطط العمل المستقبلية لتطوير أداء الأمانة العامة لمجلس التعاون؟ - الخطط المستقبلية لتطوير أداء المجلس عديدة ومتنوعة المجالات، وهي تتماشى مع تطلعات قادة ومواطني دول المجلس من أجل تعزيز التكامل والترابط فيما بينها. ويأتي في هذا الاطار تعزيز الاتحاد الجمركي بحيث تصبح دول المجلس مجموعة اقتصادية واحدة، وقد تم مؤخرا تأسيس هيئة الاتحاد الجمركي التي أنيطت بها مسؤولية استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي وازالة كافة العقبات بحلول عام 2015م. كما تتواصل جهود الدول الأعضاء لاستكمال مشروع السكك الحديدية لدول المجلس الذي هو الآن في مرحلة الانتهاء من وضع التصاميم الفنية التي من المقرر الانتهاء منها في عام 2014م، على أن يتم الانتهاء من تنفيذ المشروع بحلول عام 2018م. وهذا مشروع استراتيجي سوف يعود بالعديد من الفوائد على مواطني ودول المجلس، وبمزيد من الترابط والتواصل الاجتماعي، بالإضافة الى تسهيل وزيادة حجم التبادل التجاري بين دول المجلس، وتنشيط القطاع السياحي. أيضا من المشاريع الاستراتيجية التي تدرسها دول المجلس مشروع الربط المائي، بعد أن أنجزت ولله الحمد، مشروع الربط الكهربائي، إلى جانب مشروع آخر يتعلق بالأمن المائي تجري دراسته في الوقت الحاضر من قبل الجهات المختصة. أما في مجال حماية البيئة ودرء المخاطر فدول المجلس بصدد تفعيل مركز إدارة الطوارئ المقرر اقامته في دولة الكويت، بالإضافة الى دراسة إنشاء مركز متخصص في رصد الاشعاعات النووية، والتركيز على الخطط اللازمة لضمان الأمن الغذائي والأمن المائي لشعوب دول المجلس. * ما هي أبرز مبادرات مجلس التعاون مع الأحداث الإقليمية الدولية؟ - لعل أهم الأحداث التي تقلق المجتمع الدولي في الوقت الحاضر هي التطورات التي شهدتها عدد من الدول العربية، والتي تفاعلت معها دول المجلس بحكمة وحرص شديدين، وقامت بدور ايجابي ومساعي حثيثة انطلاقاً من المبادئ الأساسية لسياستها الخارجية التي تنبذ العنف بكل أشكاله، وتؤمن بالحوار الشامل الذي لا يستثني أحداً وتحترم فيه مبادئ حسن الجوار. ففي اليمن تقدمت دول المجلس بوساطة خيرة توجت، ولله الحمد، بالتوقيع على المبادرة الخليجية لتسوية الأزمة والتي أدت الى انتقال سلمي للسلطة، وحالت دون اراقة الدماء، وفتحت أمام الشعب اليمني الشقيق أملا في مستقبل أفضل. أما في الأزمة الليبية فقد بادرت دول المجلس الى مخاطبة المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي على وجه الخصوص، وكذلك جامعة الدول العربية لاتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية المدنيين الليبيين، وخاصة في مدينة بنغازي التي كانت على وشك التدمير من قبل قوات النظام الليبي السابق.أما في سورية فقد كان موقف دول المجلس واضحا وثابتا، حيث عبرت عن رفضها لسقوط الضحايا المدنيين، ودعت النظام السوري الى نبذ العنف واللجوء الى الحكمة والحوار لتحقيق تطلعات الشعب السوري، إلا أن النظام السوري، مع الأسف، لم يستمع الى صوت العقل وفضل مواصلة نهجه الدموي الذي أدى في النهاية الى مقتل ألوف المدنيين ونزوح وتهجير الملايين من السوريين. * المعاملة المتساوية، والتنقلات الحرة، من أبرز ما يتطلع له مواطنو دول المجلس، فماذا تم بهذا الخصوص؟ - قرارات قادة دول المجلس _ حفظهم الله_ الصادرة من مقام المجلس الأعلى تنص على المساواة التامة بين مواطني دول المجلس وتدعو الى تطبيقها على كافة المجالات ودون تفريق أو تمييز، لقناعتهم حفظهم الله بأن ذلك هو سبيل تحقيق المواطنة الخليجية، ونتيجةً لتلك القرارات والمتابعة الدائمة لتنفيذها تم تحقيق مبدأ المساواة التامة في أغلب مجالات السوق الخليجية المشتركة. أما بالنسبة للتنقل بين دول المجلس فان مواطني دول المجلس يتمتعون بالمساواة التامة في المعاملة من حيث حق الإقامة والتنقل، حيث لا يوجد أية قيود على الاقامة لمواطني دول المجلس، ويتم التنقل بين دول المجلس بحرية تامة ودون شروط، حتى إنه يتم بالبطاقة المدنية بين كافة الدول الأعضاء.