هل سبق وأن قرأت كتابا كان عنوانه يتمحور حول «كيف تتعامل مع الناس؟ أو كيف تكسب الآخرين؟ أو كيف تحل مشاكلك بسهولة؟.. إن كنت فعلت فخيرا، لأنك ستفهم بسهولة العلاقة بين محتوى هذه الكتب وبين ما يتحدث به من يصنفون أنفسهم (بالمستشارين الأسريين) وإن كنت ممن لم يكلف نفسه عناء الغوص في ثرثرة الكتب السابقة، فلا بأس، لأني سأوضح الرابط بين فئة المستشارين الأسريين وبين فلسفة الكتب التي تتحدث عن تطوير الذات أو تلك التي تدعي انها تحمل بين سطورها حلولا علمية لمشاكل العلاقات الاجتماعية وغيرها من المضامين التي ذكرتها آنفا.. إن العلاقة التي تجمع بينهم باختصار؛ هي القدرة على جمع المفردات ذات الدلالات الرمزية والقيمية في أذهان الناس، مثل السعادة، الاستقرار، الثروة، الاستقلالية، الثقة.. وربطها بعبارات مصفوفة ومنمقة بنتائج منطقية بدهية، تعطي إيحاء للقارئ أو المتلقي بأنه أمام كلام مفيد قابل للتطبيق، والمشكلة الحقيقية التي برزت مؤخرا ليس في الكتب الزاخرة بتلك الديباجة التقليدية في العرض والأفكار، فهذه الكتب قد خبت موضتها، إنما الإشكالية في بروز موضة تقديم الاستشارات الأسرية على طبق تجاري، يقدم للمواطن الضعيف قليل الحيلة والقدرة على التحكم في مشاكله الأسرية والاجتماعية بشكل عام.. هذه الموضة التجارية التي أسس لصناعتها مجموعة من المحتالين بطريقة منظمة من خلال مراكز تدريب أو بعض العيادات النفسية التي استقطبت للأسف فئة من الأخصائيين الاجتماعيين من المبتدئين قليلي الخبرة أو أشخاص من حملة الشهادات المزورة ممن يطلق عليهم عامة (حملة الشهادات الوهمية) لتقديم دورات تدريبية تتعلق بتطوير الذات أو تقديم استشارات أسرية لمن يعانون مشاكل حياتية داخل أسرهم أو مع أقاربهم.. والموضوع بهذا الواقع والخلل له بعدان: الأول: أن مجموعة من الأسر أو الأشخاص حاولت حل مشاكلها عن طريق الاستعانة بهؤلاء وفي أغلب الأحوال لم تحصل على فائدة مرجوة على أقل تقدير، هذا إن لم يكن قد تفاقمت مصيبتها بعد أخذ تلك الاستشارات.. ذلك أن المعلومات والنصائح التي يتلقاها منهم لا تعدو كونها كلاما مزخرفا يجعلك تتأرجح بين الحل واللا حل، نصائح وتعليمات من خلفية سماعية، وهذا أمر متوقع من مختص مزيف لم ينهل من العلم والمعرفة المبنية على دراسات وخبرات من خلفية تعليمية.. البعد الثاني أن غض النظر قانونيا عن ممارسات هؤلاء يسهم في استمرار تأسيس تجارة وثروات تدر بغير وجه حق على فئة محتالة استغلت مشاكل الناس -وثقتهم وتطلعاتهم في تطوير ذواتهم ورغبتهم في بناء ثقتهم في انفسهم- بطريقة مقيتة.. وبالمناسبة فإن قضية النصب التجاري هذه والقائمة على استغلال الجانب النفسي والاجتماعي للناس لا تقتصر على فئة «المستشارين الأسريين» ممن حملوا شهادات مزورة في تخصصات نفسية واجتماعية، بل كان في بدايته مشتملا على من حصل على تخصصات شرعية ودينية بنفس السرقة، وهؤلاء شرهم أكبر، فمنهم من استغل ذلك في تجميع تبرعات وصدقات، ومنهم من استغلها في إلقاء المحاضرات والخطب الدينية بمقابل، وكانت مكانتهم الاجتماعية تعزز بجانبين: ظهورهم في بعض القنوات الفضائية، ودغدغة مشاعر الناس بالكلام عن الدين وأحيانا الفتوى بغير هدى، أما الجانب الآخر جماهيرهم المضللة التي تدعمهم بالثناء والتبجيل مهما صدر منهم من سخافات أو اتهامات منافية للمنطق‘ على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.