شددت الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي أمس، على ضرورة اتخاذ إجراءات جريئة لتعزيز التعافي الاقتصادي العالمي الذي يواجه الخطر، وحثت الحكومات على أن تحرص على ألا تخمد النمو بتضييق الإنفاق بشدة أكثر مما ينبغي. وبحسب "رويترز"، فقد ذكرت اللجنة التوجيهية لصندوق النقد الدولي أنه مع تعثر اقتصاد اليابان وتعرض منطقة اليورو لخطر الكساد، ونظرا لأن التعافي الأمريكي أضعف من أن يساعد على توليد زيادة في الدخول فإن التركيز على النمو يجب أن تكون له الأولوية. وقالت اللجنة المالية والنقدية الدولية في بيان نيابة عن البلدان الأعضاء في الصندوق وعددها 188، إنه يواجه عددا من البلدان احتمال ضعف النمو أو تراجعه مع بقاء معدلات البطالة مرتفعة بدرجة غير مقبولة. وكان الصندوق قد خفض هذا الأسبوع تنبؤاته للنمو العالمي في عام 2014 إلى 3.3 في المائة من 3.4 في المائة، وهو ثالث تخفيض هذا العام مع انحسار احتمالات تعاف مستدام من الأزمة المالية العالمية في 2007-2009 وذلك على الرغم من قيام البنوك المركزية في العالم بضخ كميات كبيرة من السيولة في الأسواق. ووصف صندوق النقد الدولي ضعف الاقتصاد الأوروبي بأنه أكبر بواعث القلق، وهو شعور عبر عنه الكثير من واضعي السياسات والاقتصاديين والمستثمرين الذين تجمعوا في واشنطن لحضور اجتماعات الخريف للصندوق التي اختتمت أمس. وحثت لجنة صندوق النقد الدول على تنفيذ إصلاحات صعبة من المنظور السياسي لأسواق العمل والضمان الاجتماعي تكفل توفير أموال حكومية للاستثمار في مرافق البنية التحتية وإيجاد فرص العمل والتوظيف والنهوض بمعدلات النمو. ودعت اللجنة البنوك المركزية إلى الحذر عند الكشف عن تغييرات في سياساتها لتفادي إحداث صدمات في أسواق المال. ولم تذكر اللجنة بالاسم أي بنوك مركزية لكن بدا أن التحذير موجه إلى مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) الذي سينهي هذا الشهر سياسة التيسير الكمي التي يعمل بها ويبدو أنه يتجه نحو البدء بإجراءات زيادات لأسعار الفائدة في نحو منتصف العام المقبل. من جهة أخرى، أكدت كريستين لاجارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي أن التعبئة ضد فيروس إيبولا يجب ألا تؤدي إلى "تخويف" العالم عبر إدانة إفريقيا بأكملها، بينما قال وزير المال في سيراليون إن آثار انتشار هذا المرض تشبه تلك الناجمة عن "حظر اقتصادي". وأضافت لاجارد أنه يجب علينا أن نبرهن على أكبر قدر من الحذر حتى لا نرهب العالم كله من إفريقيا برمتها بسبب الوباء الذي أسفر حتى الآن عن وفاة أكثر من أربعة آلاف شخص، وينتشر حاليا في ثلاث دول إفريقية هي ليبيريا وسيراليون وغينيا. وأشارت إلى أن هذه الدول الثلاث متضررة جدا ونحاول مساعدتها قدر الإمكان، لكن الأمر الملح هو وقف الوباء واحتواؤه باعتبار أن المرض لا ينتشر في كل إفريقيا، وضرورة أن "تستمر الأعمال" في أنحاء القارة وأن تواصل اقتصادات الدول الأخرى حركتها وإيجاد وظائف. وكانت المديرة العامة للصندوق قد دعت إلى وقف عزل الدول الإفريقية الثلاث، ويجب عزل "إيبولا" وليس الدول، وعبرت الهيئة السياسية في تقريرها عن قلقها من التأثير الإنساني والاجتماعي الاقتصادي للوباء. وقال البنك الدولي إن الوباء يمكن أن يكلف غرب إفريقيا أكثر من 32 مليار دولار بحلول نهاية 2015. من جهتها، دعت لجنة التنمية الهيئة المشتركة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى تحرك مالي "سريع" و"منظم"، وأكدت اللجنة خلال اجتماعات الخريف للمؤسستين الماليتين أنه بمعزل عن المأساة الإنسانية، تبدو الخسائر الاقتصادية التي سجلت في الدول المتضررة كارثية، وأنه لا بد من تحرك ومساعدة مالية سريعا لتطويق الآثار الاقتصادية المباشرة والمستمرة لهذه الأزمة والتخفيف منها. ويفترض أن تسمح الإصلاحات “الهيكلية” والأشغال الكبرى للاقتصاد العالمي بتجنب مرحلة صعبة، كما وقال المشاركون في اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي المنتهية أمس. ووفقا لـ “الفرنسية”، وبينما يبدو الاقتصاد العالمي مهددا بفترة نمو “سيئة” على حد تعبير كريستين لاجارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، اعتبرت منطقة اليورو النقطة السوداء في العالم بسبب الانكماش فيها وضعف التضخم. وخارج هذه المنطقة، تشهد الولايات المتحدة انتعاشا من جديد وتبدو آسيا في حالة جيدة باستثناء اليابان والدول الناشئة تتدبر أمرها بشكل جيد باستثناء روسيا والبرازيل. أما إفريقيا فتبدو الآفاق لديها ملبدة بالغيوم تحت تهديد فيروس إيبولا الذي يمكن أن يضر بانتعاش القارة برمتها، وقال ثارمان شانموجاراتنام رئيس الهيئة السياسية لصندوق النقد الدولي إن الجميع يركزون على التحديات الحقيقية التي تمثلها الإصلاحات الهيكلية أكثر من سياسات الاقتصاد الكلي. وأكد المشاركون أن الكرة باتت الآن في ملعب السياسيين والحكومات أكثر مما هي لدى التقنيين أو المصارف المركزية، وذكر ماريو دراجي رئيس البنك المركزي الأوروبي أن هناك حاجة لتسهيل الإصلاحات الهيكلية. ويرى رئيس الهيئة السياسية لصندوق النقد وزير مالية سنغافورة أن الأمر يتطلب شجاعة سياسية لكن يمكن أن يتحقق، وذكر مثالا جيدا برأيه في هذا المجال وهو إصلاح قطاع الخدمات في أوروبا ونظام المتقاعدين في الولايات المتحدة والتعليم في البلدان الناشئة. وأشارت لاجارد إلى أن بعض الدول تنجح في تحقيق ذلك بعدما رحبت خلال النهار عدة مرات بالإصلاحات التي تشهدها المكسيك في قطاعي النفط والاتصالات، ورواندا. فيما شدد ميشال سابان وزير المالية الفرنسي على أن مسألة الإصلاحات الهيكلية ليست موضع نقاش لدى أحد، وأنه يتعين القيام بالإصلاحات في البنى، مشيرا إلى أنه تجري متابعة فرنسا بدقة بشأن الإصلاحات لتحرير اقتصادها كما هو الأمر بالنسبة لإيطاليا. وشهدت واشنطن بعض النقاشات الداخلية لمنطقة اليورو، بدعوات متكررة من عدة مشاركين أن تقوم الدول التي تملك هامش مناورة في الميزانية، مثل ألمانيا، في المشاركة في إنعاش الاقتصاد الأوروبي، لكن فولفجانج شويبله وزير المالية الألمانية أكد أنه لم يشعر بضغوط وأن النمو لا يتحقق بالتخلي عن الجدية في الميزانية، وأن بلاده سيكون عليها تعزيز جهودها في الاستثمار في القطاعين العام والخاص، ودعا شويبله رجال المال إلى إطلاق مشاريع كبرى. ومن جانبه أشار جاكوب ليو وزير الخزانة الأمريكي إلى أن نقص البنى التحتية يشكل عقبة أساسية في طريق النمو، وفي هذا المجال أيضا دعيت ألمانيا للمشاركة. ويعتقد بيار كارلو بادوان وزير المالية الإيطالي أن نفقات البنى التحتية جيدة لإيطاليا وألمانيا وأن شويبله موافقا على الحاجة الماسة للاستثمار كثيرا في البنى التحتية. وبشكل أعم أطلق البنك الدولي صندوقا خاصا لهذا النوع من الاستثمارات شكل أولوية خلال الرئاسة الأسترالية لمجموعة العشرين التي تنتهي في القمة التي ستعقد في بريزبين في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.