في مشهد غير مألوف خلال السنوات القليلة الماضية، شهدت سوق الأسهم السعودية، يوم أمس، تراجعات حادة جدا فقدت خلالها أكثر من 700 نقطة، جاء ذلك في أولى جلساتها بعد إجازة عيد الأضحى المبارك، وسط «بيوع عشوائية» زادت من حدة التراجعات على مؤشر السوق العام. وأغلقت أكثر من 40 شركة مدرجة في سوق الأسهم السعودية يوم أمس على النسبة الدنيا من الانخفاض (- 10 في المائة)، وسط سيولة نقدية متداولة لم تتجاوز حاجز الـ8.8 مليار ريال (2.3 مليار دولار)، ما يوحي بأن تراجعات يوم أمس لم تشهد بيوعا من قبل كبار المستثمرين. وعزا مختصون تراجعات سوق الأسهم السعودية يوم أمس إلى تراجع أسعار النفط من جهة، والأداء السلبي الذي كانت عليه أسواق المال العالمية خلال الأيام الماضية من جهة أخرى، إلا أنهم يرون في الوقت ذاته أن تراجع مؤشر السوق بأكثر من 700 نقطة «مبالغ فيه» وغير مبرر. ومن الممكن أن تبدأ تعاملات سوق الأسهم السعودية تداولاتها اليوم على تراجعات، فيما يأمل المتعاملون أن يتماسك مؤشر السوق عند مستويات 10 آلاف نقطة، إذ من المتوقع أن يقود الإغلاق دون هذا الحاجز إلى زيارة مناطق 9700 و9400 نقطة على التوالي. ورغم أن الاقتصاد السعودي يعيش خلال السنوات الحالية أفضل مراحله، فإن أداء سوق الأسهم لم يواكب هذا الأداء الإيجابي، ما يعني أن سوق المال السعودية ما زالت بحاجة إلى كثير من القرارات التنظيمية التي تساعد سوق الأسهم على التماسك أمام الظروف الطارئة. ويعد الانخفاض الذي شهده مؤشر سوق الأسهم السعودية يوم أمس، الانخفاض الأكثر حدة منذ أكثر من 4 سنوات، حيث خسر مؤشر السوق مع تعاملاته يوم أمس نحو 706 نقاط، بنسبة تراجع بلغت 6.51 في المائة، ليغلق في نهاية المطاف عند مستويات 10.145 نقطة. وأمام هذه التطورات، أكد الدكتور خالد اليحيى، الخبير الاقتصادي والمالي، لـ«الشرق الأوسط»، يوم أمس، أن انخفاض مؤشر سوق الأسهم السعودية بأكثر من 700 نقطة «مبالغ فيه» للغاية، وقال: «ليس هناك ما يدعو إلى هذا الانخفاض الحاد جدا، فتراجع أسعار البترول يقابله ارتفاع في قيمة الدولار، وبالتالي فإن الهامش الربحي للسعودية سيظل في المناطق الإيجابية». وعن انخفاض أسواق المال العالمية، قال اليحيى: «الداو جونز الأميركية ارتفعت إلى مستويات 17 ألف نقطة تقريبا ولم نشاهد سوق الأسهم السعودية تتفاعل مع هذا الارتفاع الكبير، كما أن أسعار البترول قفزت من 40 إلى 120 دولارا للبرميل ولم نشاهد الأسهم السعودية تتفاعل معها، ما حدث يوم أمس أمر يدعو إلى مزيد من التنظيم للسوق المالية السعودية». وفي ذات السياق، أكد فيصل العقاب، الخبير الاقتصادي والمالي، لـ«الشرق الأوسط»، يوم أمس، أن إغلاق مؤشر سوق الأسهم السعودية دون حاجز 10.200 نقطة أمر سلبي إلى حد ما، مضيفا: «أمام مؤشر السوق اليوم حاجز 10 آلاف نقطة، فإن استطاع المحافظة عليه فإننا سنرى كثيرا من الشركات المدرجة تكتسي اللون الأخضر». وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي قال فيه محللون اقتصاديون إن تداول الأجانب لسوق الأسهم السعودية سيدرجها ضمن مؤشر الأسواق الناشئة في البورصات العالمية خلال أقل من عامين، مشيرين إلى أن ذلك سيكون بصورة أسرع وأكبر مما حدث مع أسواق المال الإماراتية والقطرية. وأكد المحللون لـ«الشرق الأوسط» قبل نحو شهر من الآن، أن أكبر الصناديق العالمية ومحافظ الاستثمار العاملة في الأسواق الخليجية لديها خطط مسبقة ورغبة للاستثمار في سوق الأسهم السعودية التي تعد أكبر أسواق المنطقة، مبيّنين أن مؤشر الأسهم السعودية يشكل نحو 4 إلى 5 في المائة من القيمة الاسمية الإجمالية. وهنا يقول تركي فدعق، مدير إدارة الأبحاث والمشورة في شركة البلاد للاستثمار، إن أهم الصناديق والمحافظ الاستثمارية العالمية العاملة تحديدا في أسواق أوروبا وأميركا وجنوب شرقي آسيا، ستعمل على اقتطاع حصة من السوق السعودية؛ لأنها تعلم مدى قوة الشركات وأيضا الاقتصاد السعودي. ويضيف فدعق: «الانتهاء من اللائحة سيحدد طبيعة توجهات المستثمرين الأجانب في السوق، لكن على الأرجح ستكون القطاعات التي تتميز بها السوق المحلية وغير الموجودة في أي سوق أخرى، مثل شركات البتروكيماويات وقطاع التجزئة الذي يعتمد على الطلب المحلي العالي». من ناحيته، أكد محمد العمران، عضو جمعية الاقتصاد السعودية والمحلل المالي، حينها، أن فتح السوق السعودية للأجانب سيؤهلها للانضمام إلى الأسواق الناشئة، بل المنافسة على مركز متقدم بين تلك الأسواق؛ لما تمتلكه من مقومات كبيرة. وأضاف العمران: «ظلت أسواق منطقة الشرق الأوسط على مدى عقود مهملة من قبل صناديق الاستثمار والمحافظ العالمية لأسباب مختلفة، لكن ما حدث أن السوقين الإماراتية والقطرية استطاعتا أن تستقطعا حصة من أموال تلك المحافظ، وهو ما ساعدهما على الانضمام لمؤشرات الأسواق الناشئة، والآن جاء دور السعودية، التي هي بالفعل محط اهتمام أكبر من قبل المستثمرين الأجانب». ويتفق حديث المحللين مع ما ذهب إليه باحثون في «شركة بيتك للأبحاث» ومقرها الكويت، من أن أكثر الأسواق ضخا لرأس المال في السوق السعودية بعد السماح للأجانب بالاستثمار، ستكون الولايات المتحدة في المقام الأول، تليها أوروبا، على غرار ما حدث عندما جرت ترقية أسواق الإمارات وقطر خلال العام الحالي.