منذ أن نشرت في اليوتيوب الحلقة الثانية من برنامج "يشبهك"، الذي أقدمه، بعنوان "طفولة أب"، التي تتناول قصة رجل خمسيني من ذوي متلازمة داون رزقه الله بخمسة أبناء أصحاء أصبحوا آباء له، هطلت علي رسائل إلكترونية كالمطر تتحدث عن تحديات كبيرة يعانيها المصابون بمتلازمة داون في وطننا العربي. إحدى هذه الرسائل جاءت من الأخت الكريمة هيا الجبر، التي تدير حسابا توعويا عن متلازمة داون باسم شقيقها المصاب به. تتألم هيا في رسالتها كون شقيقها سعيد (تسع سنوات) لم يحظ حتى اللحظة بأي فرصة للحصول على التعليم كونه يقطن محافظة السليل (تبعد نحو 575 كلم جنوب الرياض)، التي لا يتوافر فيها أي مركز يهتم بهذه الفئة الغالية. من المخجل ألا يجد أطفالنا العناية والاهتمام المبكرين، فالتدخل المبكر يثريهم ويساعدهم على التعلم والاستقلالية، بينما إهمالهم يفاقم تحدياتهم ويعمقها. محزن ألا نرى "سعيد" وأقرانه من ذوي متلازمة داون يظهرون في برامج الأطفال العربية ووسائل الإعلام، ما جعلهم غريبين ومختلفين عن المجتمع إذا خرجوا إلى الشارع. تطاردهم نظرات الفضول والريبة والتوجس. ستخبو ابتسامة سعيد الجبر، التي تتألق في وجهه البريء الجميل كلما كبر لأنه لن يجد مجتمعا يمنحه اهتمامه ورعايته وتفهمه. هذه المعاناة لا تقطن السليل وحدها، بل سائر مناطق ومحافظات المملكة والدول العربية. لا يوجد سوى القليل من المراكز، التي تتطلب الكثير من المال حتى يستطيع الطفل الالتحاق بها. فحتى في التعليم هناك تمييز. فمن لا يملك مالا لن يحظى طفله بتعليم يستحقه ويحتاج إليه. في الرياض وحدها هناك آلاف الأطفال في قوائم الانتظار لدخول المراكز المحدودة المتخصصة لذوي متلازمة داون. أي تأخير في دخولهم صغارا سيدفعون ثمنه باهظا كبارا. ما ذنب هذه الأسر، ما ذنب هؤلاء الأطفال؟ ألا تكفيهم نظرة المجتمع القاتلة، التي تميتهم قبل الموت؟ إن مؤسساتنا العامة والخاصة ومصارفنا مطالبة بإنشاء مراكز متخصصة للمصابين بمتلازمة داون. لمَن حرم هؤلاء من أبسط حقوق الحياة؟ يعيشون ولا يعيشون... إن المصابين بمتلازمة داون مثلنا.. يستحقون أن يعيشوا حياة كريمة.. حياة مليئة بالحياة..