×
محافظة الرياض

الزلفي تتوشح حلل الوطن فرحة بيومه المجيد

صورة الخبر

وذكر المؤرخ الكويتي عبدالعزيز الرشيد في كتابه "تاريخ الكويت" (1926) عن الحوادث المشهورة في تاريخ الكويت، وذكر منها مجاعة الهيلق 1868-1871 التي تحملها شخصان فاضلان يوسف البدر ويوسف الصبيح بالمال والإيواء سواء في الكويت أو الزبير للمتضررين، وسنة الهدامة أو الرجبية 1872 التي سبب المطر هدم البيوت الطينية على أهلها وأغرقها، وسنة الطبعة (غرق السفن) 1871، ومنها سنة الطاعون 1831 وهي التي تضرر بها كل من كان على الخط المداري من تبريز في إيران مروراً بالكويت ومنها إلى البصرة وبغداد حتى الزبير في العراق، وذكرها مؤرخون كثر مثل حمد بن لعبون –حيث مات فيها ابنه الشاعر الكبير محمد بن لعبون-، والمؤرخ عبدالله البسام وسواهم.. ويأتي تسجيل محمد المسباح لهذا العمل، وسواه، فهو قدم مجموعة غنائية "على خدي" (1996)، واختار أعمالاً منها فن لعبوني وأغنيات وضعت بين الخمسينيات والسبعينيات لعبداللطيف الكويتي وعبدالله فضالة وعائشة المرطة ونجاح سلام، وفي مجموعة "عديل الروح" (2004) قدم مختارات أخرى من فن السامري الموروث، وأغنيات ليوسف دوخي وأبو بكر المحضار. وفي برنامج "سهرة خاصة" (2011) الذي قدمه خالد الشيخ كما ذكرنا، قدم المسباح مجموعة أخرى مختارة من تراث الكويت الغنائي في القرن العشرين، وفي تسجيله هذا يستلهم طرق أداء الفنانين الكبار مثلما فعل مع عبداللطيف الكويتي حين غنى له "يا من يرد الغالي الزعلان"، وكانت درة تسجيلاته، وهي تذكرنا بإعادة تسجيل سعاد محمد موشح "ملا الكاسات" (1972) الذي سجله كثيرون غير أنهم لم يبرعوا مثلها، والمسباح كذلك. وفي فن الزبيري "شفنا المنازل" يستنفد المسباح صوته الذي يكثف لحظات العزاء والفاجعة تحت لحظة التذكر، وهي تكرس أن الماضي زمن لم ينته، وأن ما فقد لا يفهم سبب فقده.. وهي تذكرنا بفاجعة المؤرخ حمد بن لعبون على ولده وواجبه التاريخي في التدوين، فيقول: "هلكت فيه قبائل وحمائل، وخلت من أهلها منازل، وبقي الناس في بيوتهم صرعى لم يدفنوا.. (ابن لعبون، 2008، 702)، ويضيف المؤرخ عبدالله البسام في كتابه "تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق" فيقول: "والدواب سائبة ليس عندها من يعتني بها حتى مات أكثرها جوعاً وعطشاً وبقيت المساجد لا تقام فيها جماعة لخلو البلدان من أهلها ولا حافظ لأموالهم التي في البيوت.. ولما كان اليوم الخامس عشر من ذي الحجة ارتفع الوباء.. وكان بعض أهل الزبير والبصرة والكويت وغيرهم قد هربوا إلى البادية فلما ارتفع جاؤوا إلى بلدانهم وجاء كثير من البوادي ومن الصلبة ودخلوا بلد الزبير والبصرة، وأخذوا من الأموال شيئاً كثيراً وليس هناك من يردهم" (البسام، 2013، 267).. ويضيف المؤرخ عبدالعزيز الرشيد: "رجعوا إليها –ويقصد الكويت- ولكن وجدوا الطاعون قد فتك بكثير من نسائهم فاضطروا إلى استقدام عوضهن من البلاد المجاورة كالزبير ونجد وغيرها وبذلك حفظوا البلد من العدم والفناء" (الرشيد،1999، 81). ويذكر حادثة لإحدى النساء مؤلمة في حادثة الطاعون نفسها: "وفي أثناء تلك المعمعة أغلق أهل بيت في الشرق دارهم وادخروا فيها ما يكفيهم من طعام وشراب ولم يسمحوا لأحد بالدخول عليهم خوفاً من تسرب العدوى. فكان هذا البيت من جراء التحفظ الوحيد في الكويت الذي لم يصب من يد الطاعون بضرر غير أن امرأة منهم حاولت الخروج لتنظر ما أصاب أهلها فأنزلوها بحبل من السطح ثم رجعت إليهم أخيراً فلم يفتحوا لها فرجعت أدراجها وقضي عليها كما قضي على غيرها" (الرشيد، 1999، 81). وبمثل ما حملت عودة المهنا أوجاع تلك المرأة التي أخرجها قلقها على عائلتها وفتك بها المرض يحمل المسباح وجع الراوي الذي تدمى حنجرته لأن التذكر شاهد على زمن متوقف وجامد. إنه زمن الموت.. ذاكرة الفقد. إنها تلك التجاعيد التي تشد وجه جدتي ودمها الذي لم يحتمل.. ووجه جدي عرجون الذكريات كلها، والوجع الذي أنكره ولا يغيب.. "يا ونتي ونة كسير العضا ** ونة كسيرٍ عطبتها النشاشيب شفني عقبهم ذقت كاس اللظى ** ومن ذاق حرّهم ما ترده اللواهيب"