×
محافظة مكة المكرمة

تمهيدا لرفع التقرير النهائي لنتائج التحقيقات .. اليوم

صورة الخبر

هذا المقال يحمل بشرى للكثيرين من مرضى المخ والأعصاب مثل الزهايمر المتعلق بالذاكرة ومرضى التفكير والتخطيط.. وسأحاول تبسيط المصطلحات والمفاهيم قدر الإمكان، مستعرضاً تاريخ أبحاث ونظريات الدماغ قبل الحديث عن الاكتشاف المذهل للذين حصلوا على جائزة نوبل هذا العام في الطب نتيجة هذا الاكتشاف.. ففي يوم الاثنين 6 أكتوبر 2014، نقلت لنا وسائل الإعلام العالمية إنجازاً علمياً غير مسبوقٍ يتعلق بأبحاث المخ والإدراك التي تعد بدائية، حيث تم الإعلان عن تقاسم ثلاثة علماء جائزة نوبل في الطب، هم العالم الذي يحمل الجنسيتين البريطانية والأميركية جون أوكيف، الذي يعمل مديراً لمركز استقبال سينسبري للدوائر العصبية والسلوك في جامعة لندن، والزوج والزوجة العالمان النرويجيان إدوارد موسير ومي - برت موسير، اللذان يعملان أستاذين لعلم الأعصاب في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا جائزة نوبل إثر اكتشافهم خلايا المخ التي يستخدمها البشر لتوجيه أنفسهم.. بعبارة أخرى لاكتشافهم الخلايا التي تشكل نظام تحديد المواقع في الدماغ.. وقبل أن أبين أهمية هذا الاكتشاف دعوني أعرض خلفية علمية تاريخية عن أبحاث المخ المتعلقة بالإدراك.. هذا النوع من الأبحاث بدائية لأنها تتطلب إجراء دراسات على بشر تعرضوا لحوادث في أدمغتهم والحصول على مثل هذه الحالات نادر لاعتراض عائلاتهم على إجراء دراساتهم عليهم، لأنها تسبب لهم تعباً شديداً ولا تريد عائلاتهم أن تزيد معاناتهم.. حتى إن هناك حادثة شهيرة حدثت في الثمانينات عندما قام باحثون في أحد المستشفيات بإجراء دراسات على حالة في ذلك المستشفى دون إذن مسبق من العائلة وعد ذلك انتهاكا صارما لحقوق الإنسان، وتعرض الباحثون والمستشفى لعقوبات شديدة.. وبقيت أبحاث الدماغ رهن الأخذ والرد والتكهنات حتى إن نظرية شطري الدماغ Hemispheric Theory، التي بنى عليها العالم سكنرز النظرية السلوكية قد تعرضت للنقد الشديد والإلغاء من قبل العالم الشهير وأستاذ علم النفس حالياً في جامعة هارفرد البروفيسور هاورد قاردنر، الذي قال إنه ليس صحيحاً أن الدماغ مقسوم إلى فصَّين Two Hemispheres أيمن وأيسر وبينها رابط والأيسر عقلاني ومنطقي Rationale والأيمن لعوب Playful وفيها تفاصيل دقيقة وكثيرة كلها أبطلها قاردنر بنظريته التي تسمى نظرية الوحداتModular Theory في كتابه The New Science of Mind، حيث المخ البشري كما يقول لا يحتوي على فصين الأيمن لعوب ومسؤول عن جسم الإنسان الأيسر والفص الأيسر عقلاني ومسؤول عن جسم الإنسان الأيمن حتى إذا ما أصيب المرء في الجهة اليمنى من الدماغ تعطل وانشلّ جسمه الأيسر والعكس صحيح.. هاورد قاردنر قال في نظريته، نظرية الوحدات، إن ذلك هراء والصحيح أن العقل البشري مكون من وحدات Modulars وكل وحدة لها وظيفة، فإذا ما حدث أن تعرضت أي وحدة للعطب نتيجة تعرض الدماغ لحادث فإن وظيفة تلك الوحدة تتعطل.. وأحدثت نظرية قاردنر ثورة وقام معها وضدها كثيرون.. قام ضدها التقليديون وسبب معارضة التقليديين لها أنهم بنوا كل أعمالهم ومؤلفاتهم وبحوثهم على نظرية الفصين.. وَيُظن أنهم ليسوا مقتنعين بنظرية الفصين لكنهم لو اعتنقوا نظرية قاردنر لذهبت كل أعمالهم وبحوثهم التي عملوا عليها لعقود أدراج الرياح وألغيت كل طروحاتهم، لذلك أخذوا موقف المعارض لنظرية قاردنر.. هنا وقف الجدل في وضع الدماغ ومكوناته ومناطق وظائفه.. واكتشاف هؤلاء العلماء الثلاثة يعد إنجازا كبيراً، حيث سيمكن علماء المخ والأعصاب من مساعدة الكثيرين الذين لديهم مشاكل من نوع تلف الدماغ أو الخرف، لأن هذا الاكتشاف يفسح الطريق لمزيد من المعرفة حول مناطق وظائف الدماغ وكيفية التعامل معها.. ففي السابق كان التعامل مع ما يسمى فصي المخ ثم وحدات المخ والآن يكشف لنا هذا الإنجاز أننا نتعامل مع خلايا المخ.. هؤلاء العلماء الثلاثة عمل كل واحد منهم على جزئية مختلفة لمشكلة واحدة: كيف نوجه أنفسنا في المساحة الموجودين فيها.. ونتنقل؟ العالم البروفيسور "أوكيف" اكتشف نوعاً من الخلايا العصبية في منطقة الدماغ مسؤولة عن تحديد المكان وتشكل خريطة للمكان الذي يوجد فيه الشخص وتحدد بالضبط ذلك المكان.. والتعرف على هذه الخلايا ومكانها في الدماغ سيساعد الأطباء على علاج مرضى الزهايمر على سبيل المثال على حل مشكلة أين يوجدون وإلى أين يذهبون بدقة ونجاح معتمدين على أنفسهم، لأن الخلايا المسؤولة عن ذلك قد تم التعرف عليها بدقة.. أما العالمان النرويجيان فقد اكتشفا نموذجا مدهشا للنشاط في جزء من المخ يسمى: "القشرة المخية الأنفية الداخلية Entorhinal Cortex، التي توجد فيها خلايا تنْشَطْ كلما تعدى الشخص مواقع تم تحديدها في شبكة سداسية الشكل.. ووجد هذه الخلايا أن الشبكة تحتوي على نظام ينسق عملية الانتقال ويسمح بالانتقال في الفضاء الذي يوجد فيه الشخص "وقد وُجِدَ أن مرضى الزهايمر يفقدون طريقهم بسبب تأثر منطقة الدماغ التي توجد فيها تلك الخلايا.. واكتشاف نظام تحديد المواقع في الدماغ يمثل نقلة نوعية في فهمنا لكيفية عمل مجموعة من الخلايا المتخصصة، التي تعمل معاً لتنفيذ الوظائف المعرفية المتعلقة بتحديد الأماكن والانتقال إليها.. وستفتح هذه المعرفة آفاقاً جديدة لفهم العمليات المعرفية الأخرى التي يعاني منها مرضى الأمراض العصبية مثل مرضى الذاكرة والتفكير والتخطيط.. كثيٌر من العمليات الإدراكيةCognitive Processes المتعلقة بالذاكرة والتفكير التخطيط لم يُعرف مكان حدوثها في السابق.. فنظرية الفصين شكلت معرفة شديدة العمومية.. ونظرية هاورد قاردنر ضيقت تلك العمومية لكنها لم تحدد بالضبط مناطق حدوث العمليات الإدراكية في الدماغ مثل الذاكرة والتفكير والتخطيط وكل ما قالته إن عمليات المخ ليست في الفصين بل في وحدات متفرقة في الدماغ.. وجاء هذا الاكتشاف ليزيد من معرفتنا لمناطق حدوث بعض عمليات الإدراك، وأن القضية ليست فصي المخBrain Hemispheres كما تقول "النظرية الفصيّة" ولا وحدات المخBrain Modulars كما تقول"نظرية الوحدات" لصاحبها هاورد قاردنر.. وأكتفي هنا بالقول إن هذا الاكتشاف فتحٌ جديدٌ للتعرف على عمل الدماغ وأماكن العمليات الإدراكية. ومعرفتنا لأماكن تلك العمليات سيمكننا من إصلاح العطب الذي يحدث فيها مع تقدم الأبحاث.