مجرد سماعك لأزيز آلة حفر الأسنان تحس بالانزعاج والتوتر، رغم علمك بأنك ستدخل إلى غرفة مكيفة ومزينة وكرسي مريح، قد تأخذ غفوة وأنت مستلق عليه غير شاعر بما يدور حولك، وأنت تتمتع بإبرة تحجب عنك الألم، ولكن ماذا لو كنت تعيش في غير هذا الزمن، وخلع ضرسك أو حفر دون مخدر وبآلات تشبه آلات التعذيب في أعتى السجون! لقد كانت عيادات الأسنان قديما أشبه بغرف التعذيب، تتعالى فيها الصرخات والأنين، مثلها في ذلك مثل باقي وسائل العلاج في عصور مضت. تخيل شعورك عندما تعلم أنه لا يوجد حل للصداع الذي يفتك برأسك سوى حفر جمجمتك بإزميل للقضاء على مصدر الألم الذي تقضي عليه اليوم في أقل من نصف ساعة بحبة مسكن! وقبل 900 عام كان يعالج مريض الصرع والمريض النفسي بثقب جمجمته عدة ثقوب وليس واحدا لوقف نوبات الصرع والتشنجات باستخدام أدوات مريعة. أما المرضى النفسيون فلهم حكاية في كل زمان، فزيادة على ما يعانون من ألم وصراعات داخلية، فقد كان الحل الوحيد لتخفيف معاناتهم قديما هو استئصال جزء من أدمغتهم، لتخليصهم من العواطف الزائدة، بواسطة إدخال قطعة من الجليد مسننة عن طريق زاوية العين (المحجر) بعد صعق المريض بالكهرباء، لكيلا يشعر بالألم، حتى تم اكتشاف المهدئات العصبية. وفي العيادات النفسية الألمانية لجأوا إلى وسائل أقل إيلاما لمعالجة مرضى الفصام مع بداية القرن العشرين، ولكنها قد تؤدي إلى عواقب وخيمة وإتلاف خلايا المخ، فقد كانوا يحرمون الدماغ من السكر (الذي هو وقود الدماغ) لفترة، ثم يوقظونه بحقن جرعة مفاجئة من السكر، لتتحسن شخصيته، ولكنه للأسف قد يفقد حياته بهذا التصرف نتيجة تدمير الخلايا. ومع ندرة وسائل التداوي لجأوا إلى معالجة المرض بمرض آخر، فقد قام الطبيب "يوليوس فاغنر" عام 1920 بعلاج مرض الزهري القاتل بمرض الملاريا! فارتفاع درجة حرارة الجسم الذي تسببه الملاريا ساعد على قتل الجراثيم المسببة للزهري ومنع وصولها للدماغ، والغريب أنه نال على هذا الاكتشاف جائزة نوبل عام 1927، ولكن من سيعالج المريض من الملاريا؟! وهوس علاج السمنة للحصول على قوام رشيق غير محصور في هذا الزمن، فقد أوصلهم الهوس قديما إلى تطبيق فكرة مجنونة تقتضي ابتلاع بيوض الدودة الشريطية، لكي تنمو في الأمعاء وتمتص الغذاء المهضوم، ورغم دورها الفعال إلا أنها تسببت في عواقب وخيمة! وفي وقتنا الحاضر انتشرت كبسولات تحمل نوعا من أنواع الدود أو الطفيليات، روج لها على أنها دواء لتخفيف الوزن قد تؤدي إلى الوفاة.